" الغـنيّ "
" الغـنيّ "
المستغني عن خَلْقه بقدرته وعزِّ سلطانه، وهم إليه فقراء، الغنيُّ بذاته له الغنى التَّامُّ المطلق؛ لا لأمر أوجب غناه، والعبد فقير لذاته؛ لا لعلة أَوْجَبَتْ هذا الفقر؛ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " [فاطر: 15] أي أنَّ فقرَ العالم لله أمرٌ ذاتيٌّ لا يُعلل؛ فيستحيل أن يكون العبد إلا عبدا والرَّبُّ إلا ربًّا.
أثر الإيمان بالاسم:
- من كمال غناه تعالى وكرمه أنه يأمر عبادَه بدعائه، ويعدهم بإجابة دعواتهم ويؤتيهم من فضله ما سألوه وما لم يسألوه.
- أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم حقيقةَ غنى الإنسان: «ليس الغنى عَنْ كَثْرَة الْعَرض ولكن الغنى غنى النفس» (البخاري ومسلم) فَبَيَّنَ أنَّ مَن وضع الله الغنى في نفسه فقد أغناه؛ فمن رضي بقسم الله كان به غنيًّا، ومن لم يسأل الله يغضب عليه.
- وقال صلى الله عليه وسلم موضِّحًا ثوابَ مَنْ يَسْتَغْني بالله عن غيره: «وَمَنْ يَسْتَعفف يُعفَّهُ اللهُ وَمنْ يستغن يُغنه الله» (البخاري ومسلم).
- الغني نوعان: غنى بالله، وغنى عن غير الله.
- وللغنى 3 درجات نذكرها بتصرُّف عن ابن القيم:
1- غنى القلب: تعلُّقه بالله وحده.
2- غنى النفس: وهو استقامتها على الحق، وسلامتها من الرياء؛ فالنفس من جند القلب ورعيته، وهي من أشدِّ جنده خلافًا عليه وشقاقًا له.
3- الغنى بالحقِّ: مطالعة أوليته تعالى؛ وهو سَبْقه للأشياء جميعًا؛ فقد كانت في حَيِّز العدم، وهو الذي كساها حلَّةَ الوجود؛ فهو الأول الذي ليس قبله شيء؛ قال بعضهم: «ما رأيت شيئًا إلا وقد رأيت الله قبله».
- الطريق إلى الغنى بالله هو بالفقر إليه، والفقرُ هنا نوعان:
فقر اضطراريٌّ: وهو فقرٌ عامٌّ لا خروجَ لبَرٍّ ولا فاجر عنه؛ لأنه مخلوقٌ أمرُه بيد خالقه يرزقه طعامه وشرابه.
فقر اختياريٌّ: وهو نتيجة علْمين شريفين:
1- معرفة العبد بربه. ب- معرفته بنفسه.
أي أن يعرف ربَّه بالغنى المطلق ويعرف نفسه بالفقر المطلق لله؛ فمتى حصلت له هاتان المعرفتان أنتجتا فقرًا هو عين غناه وعنوان نجاحه وسعادته، وتفاوت الناس في هذا الفقر بحسب تفاوتهم في هاتين المعرفتين.
- أحسنُ ما يَتَوَسَّل به العبد إلى الله دوام الافتقار إليه على جميع الأحوال وملازمة السُّنَّة في جميع الأفعال وطلب القوت من وجه حلال، وقيل: " من حكم الفقر أن لا تكون له رغبة؛ فإذا كان ولا بد فلا تجاوزُ رغبتُه كفايتَه ".
- حقيقة الفقر هنا أن لا يستغني بشيء دون الله، وأن يصير كله لله تعالى، لا يبقى عليه بقية من نفسه وحظه وهواه.
- والفقر الحقيقي: دوامُ الافتقار إلى الله في كلِّ حال، وأن يشهد العبد في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة إلى الله تعالى.
- هذا الفقر لله لا تنافيه الجدة ولا الأملاك؛ فقد كان الأنبياء في ذروته مع جدتهم وملكهم؛ كإبراهيم الخليل كان أبا الضيفان، وكانت له الأموال والمواشي، وكذلك كان سليمان وداود عليهما السلام وكذلك كان نبينا صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى عنه؛ " وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى " [الضحى: 8]؛ فكان الأنبياءُ أغنياء في فقرهم فقراء في غناهم.
- إذا صَحَّ الافتقارُ إلى الله تعالى صَحَّ الاستغناء بالله، وإذا صح الاستغناء بالله كمل الغنى به.
- إن نسي العبدُ فقرَه لربِّه واستغنى عنه وعن أداء الطاعات إليه طغى، والطُّغيان أعلى درجات الظُّلم لنفسه؛ " كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى " [العلق: 6، 7].
- وإن استغنى عن الله حقَّ عليه الشَّقاء؛ " وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى " [الليل: 8-10].
مختارات