" الأعمال المثقلة للميزان : العمل الخامس عشر : الأعمال التي وعد أصحابها في كتاب الله عز وجل بالأجر العظيم أو الكبير "
" الأعمال المثقلة للميزان: العمل الخامس عشر: الأعمال التي وعد أصحابها في كتاب الله عز وجل بالأجر العظيم أو الكبير "
لقد وعد الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم عبادة المؤمنين الذين يعملون الصالحات عمومًا بالأجر العظيم والكبير يوم القيامة فقال تعالى: " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ " [المائدة:9] وقال تعالى: " إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا " الإسراء:9].
وقال أبو هريرة رضى الله عنه:إن الله ليضاعف الحسنة ألفي حسنة، ثم تلا: " إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا " [النساء:40].
وقال: إذا قال الله: " أَجْرًا عَظِيمًا " فمن يقدر قدره؟ (رواه الإمام أحمد-الفتح الرباني- وقال الساعاتي في الفتح الرباني: أخرجه أيضًا ابن أبي حاتم في تفسيره ورجاله عند الإمام أحمد ثقات إلا علي بن يزيد ففيه خلاف: بعضهم وثقه وبعضهم ضعفه.اهـ، وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: روي عن أبي هريرة موقوفًا، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: أحد إسنادي أحمد جيد).
قال سيد قطب رحمه الله تعالى عند قوله تعالى " وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا " [الفتح:10] هكذا على إطلاقه: " أَجْرًا عَظِيمًا " لا يفصله ولا يحدده، فهو الأجر الذي يقول عنه الله إنه عظيم، عظيم بحساب الله وميزانه ووصفه الذي لا يرتقى إلى تصوره أبناء الأرض المقلون المحددون الفانون.اهـ (في ظلال القرآن لسيد قطب).
ولقد ذكر الله جل وعلا بعض هذه الأعمال في كتابه ترغيبًا لفعلها والمسارعة إليها، ولا شك بأن مثل هذه الأعمال التي وصف ثوابها بالعظيم والكبير، يستحق العمل بها والإكثار منها؛ لأن وزنها في الميزان سيكون ثقيلاً بمعنى الكلمة، ومن هذه الأعمال ما يلي:
[1] الإيمان بالله وكتبه واليوم الآخر:
قال الله تعالى: " لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا " [النساء:162].
إن الرجل يثقل وزنه في الميزان بقدر ما يحمله قبله من إيمان بالله عز وجل واليوم الآخر وتصديق بما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس بقدر ما يحمله جسمه من لحم وشحم.
ولذلك قد يثقل في الميزان الرجل الخفيف ولا يثقل الرجل العظيم السمين؛ لأن الأول يحمل إيمانًا راسخًا بالله عز وجل، والثاني لا يحمل من ذلك شيئًا.
فعن أبي هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرؤوا: " فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا " [الكهف:105]» (البخاري ومسلم واللفظ له) ولعل قصة ابن مسعود رضى الله عنه ودقة ساقيه " السابقة الذكر " دليل آخر في ثقل الإيمان في الميزان.
إن سر تفضيل أبي بكر الصديق رضى الله عنه على سائر الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو إيمانه الراسخ وتصديقه بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم دون شك أو تردد، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم بالصديق لتصديقه بحادث الإسراء والمعراج قبل أن يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن عمر رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة بعد طلوع الشمس فقال: «رأيت قبيل الفجر كأني أعطيت المقاليد والموازين، فأما المقاليد فهذه المفاتيح، وأما الموازين فهي التي تزنون بها، فوضعت في كفة، ووضعت أمتي في كفة، فوزنت بهم فرجحت، ثم جيء بأبي بكر فوزن بهم فوزن، ثم جيء بعمر فوزن فوزن، ثم جئ بعثمان فوزن بهم ثم رفعت» (صححه الألباني في تخريجه لكتاب السنة لأبي عاصم).
ولهذا قال أبو بكر بن عياش رحمه الله تعالى: ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر في قلبه (مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة لابن قيم الجوزية).
وقد ذكر لنا ابن عباس رضي الله عنها مدى يقين هاجر أم إسماعيل صلى الله عليه وسلم بالله عز وجل واطمئنانها بأن لن يضيعها هي وصبيها عندما علمت أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم تركها في وادي مكة القاحل بأمر من الله عز وجل، حيث قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان؛ خرج بإسماعيل وأم إسماعيل ومعهم شَنَّةٌ فيها ماء، فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشَّنَّة فيدر لبنها على صبيها، حتى قدم مكة فوضعها تحت دوحة، ثم رجع إبراهيم إلى أهله، فاتبعته أم إسماعيل حتى لما بلغوا كداء نادته من ورائه: يا إبراهيم إلى من تتركنا؟ قال: إلى الله قالت: رضيت بالله...الحديث» (البخاري واللفظ له والنسائي في السنن الكبرى).
فمن الضروري اطمئنان القلب بالله عز وجل وبوعده، ألا ترى أن الله تبارك وتعالى أشاد بمن اطمئن قلبه بالإيمان ولو أجبر على قول كلمة الكفر؟ قال الله تعالى: " مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " [النحل:106].
فالإيمان الذي يثقل الميزان هو الإيمان الذي يوصل صاحبه إلى رتبة الرضا بالله عز وجل ربًا، وبالإسلام دينًا ومنهجًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً وقدوة، ويكون حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين، ويجعله يعطي لله ويمنع لله ويحب لله ويبغض لله، ولا يكون في القلب أدنى شك أو ريبة تجاه ما أخبر به الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، من قيام الساعة وبعث الناس بعد موتهم ونشورهم وحسابهم، ومجازاة الطائعين منهم بالجنان والعصاة بالنيران، وإن من أعظم أسباب طمس الإيمان واضمحلاله من القلب هو الشك وعدم اليقين في ما أخبر به الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وسماع وتصديق شبهات أهل الأهواء وعدم سؤال الراسخين في العلم عن تلك الشبهات.
فعن حبيب الأنصاري رضى الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا معاذ بن جبل عاشر عشرة، قال: قلت: يا رسول الله، هل أحد أعظم منا أجرًا؟ آمنا بك واتبعناك قال: «وما يمنعكم من ذلك والوحي ينزل عليكم وأنا بين أظهركم؟ بلى قوم يأتون من بعدكم، يجدون كتابا بين لوحين يؤمنون به، ويعملون بما فيه، أولئك أعظم منكم أجرًا» (حسنه ابن حجر العسقلاني في الأمالي المطلقة، ووافقه الألباني في السلسلة الصحيحة).
ولا يعني ذلك أننا سنكون أفضل من الصحابة رضوان الله عليهم، أما في فضل الصحبة فقد سبقوا إليها ولا عمل يوازي ذلك، لما رواه أبو سعيد الخدري رضى الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» (البخاري واللفظ له ومسلم) وأما في الأجور الأخرى فنعم، حيث ذكر القرطبي رحمه الله تعالى: أن الإيمان والعمل الصالح في الزمان الفاسد الذي يرفع فيه أهل العلم والدين ويكثر فيه الفسق والهرج، ويذل المؤمن ويعز الفاجر ويعود الدين غريبًا كما بدأ غريبًا ويكون القائم فيه كالقابض على الجمر، فيستوي حينئذ أول هذه الأمة بآخرها في فعل العمل إلا أهل بدر والحديبية (الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)).
[2] الصدقة والأمر بالمعروف والإصلاح بين الناس:
قال الله تعالى: " لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا " [النساء:114].
أما الصدقة فقد سبق ذكر فضلها في العمل الثامن.
وفي ما يخص الأمر بالمعروف فهو يشمل أعمال البر كلها، قال الدكتور عبد العزيز المسعود: المعروف كل ما أمر به الشارع من اعتقاد أو قول أو فعل أو إقرار على سبيل الوجوب أو الندب أو الإباحة.اهـ (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثرهما في حفظ الأمة، رسالة دكتوراة للدكتور عبد العزيز المسعود).
قال الزهري رحمه الله تعالى: استكثروا من شيء لا تمسه النار، قيل: وما هو؟ قال: المعروف (حلية الأولياء).
وأما الإصلاح بين الناس فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بأن ثوابه خير وأعظم من ثواب نافلة الصيام والصلاة والصدقة، حيث روى أبو الدرداء رضى اله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلكم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة» (صححه الألباني في صحيح الجامع).
وعن أبي أيوب رضى الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا أيوب ألا أدلك على صدقة يحبها الله ورسوله؟ تصلح بين الناس إذا تباغضوا وتفاسدوا» (قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، حسن لغيره).
وروى أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي أيوب: «ألا أدلك على تجارة»؟ قال: بلى، قال: «صِلْ بين الناس إذا تفاسدوا، وقَرِّبْ بينهم إذا تباعدوا» (قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حسن لغيره).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة إصلاح ذات البين» (قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: صحيح لغيره).
[3] أداء الصلاة والزكاة:
قال الله تعالى: " لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا " [النساء:162].
وعن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما عمل ابن آدم شيئًا أفضل من الصلاة، وصلاح ذات البين، وخلق حسن» (صححه الألباني في صحيح الجامع) فتأمل كيف قدم رسول لله صلى الله عليه وسلم الصلاة وصلاح ذات البين على حسن الخلق في الذكر، علمًا بأن حسن الخلق أثقل شيء في الميزان كما مر بنا في العمل الثاني، فكيف بثواب الصلاة وصلاح ذات البين؟.
قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام على جبريل وميكائيل السلام على فلان وفلان، فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله هو السلام، فإذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض، أشهد أن لا إله الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله» (البخاري واللفظ له ومسلم).
تخيل كم عدد عباد الله الصالحين من أنس وجن وملائكة؟ إنهم بالمليارات، فستكسب بإذن الله تعالى عشرة أضعاف عددهم حسنات، فثواب قول: السلام عليكم هو عشر حسنات، فلذلك كلما زاد عدد المصلين زاد أجرك، وكلما زاد عدد الصالحين زاد أجرك.
قال ابن حجر رحمه الله تعالى: قال القَفَّال في فتاويه: ترك الصلاة يضر بجميع المسلمين لأن المصلي يقول: اللهم اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات، ولا بد أن يقول في التشهد: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» فيكون مقصرًا بخدمة الله وفي حق رسوله وفي حق نفسه وفي حق كافة المسلمين، ولذلك عظمت المعصية بتركها، واستنبط منه السبكي أن في الصلاة حقًا للعباد مع حق الله، وأن من تركها أخل بحق جميع المؤمنين مَنْ مضى ومن يجيء إلى يوم القيامة؛ لوجوب قوله فيها: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين».اهـ (فتح الباري).
[4] الوفاء بعهد الله تعالى:
قال الله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا " [الفتح:10].
نزلت هذه الآية مدحًا وإخبارًا بأن الله تعالى سيؤتي الصحابة رضوان الله عليهم أجرًا عظيمًا نظير وفائهم بما عاهدوا الله في بيعه الرضوان على نصرة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونظرًا لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإن هذه الآية الكريمة تبشر كل من أوفى ما عاهد الله عليه؛ أنه سيؤتى مثل هذا الأجر العظيم بإذن الله تعالى.
وذكر الرازي رحمه الله تعالى بأن عهد الله يدخل فيه جميع ما أمر الله به، ويدخل فيه ما نصت عليه الأدلة، ويدخل فيه المواثيق المأخوذة من جهة الرسول، ويدخل فيه ما يلزم الرجل نفسه؛ لأن كل ذلك من عهد الله يلزم الوفاء به (التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب للرازي).
وإن نقض عهد الله وعهد رسوله صلى الله عليه وسلم له عواقب وخيمة، على الفرد والمجتمع، فمن عواقبه على الفرد أنه ينبت النفاق في قلب صاحبه، فمن خصال المنافق أنه إذا عاهد غدر، ولذلك أشار الرب جل وعلا إلى ذلك الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له أن يرزقه الله مالاً، وتعهد أن يعطي منه كل ذي حق حقه، فعندما وسع الله عليه انشغل به وانقطع عن الجمعة والجماعة ومنع الزكاة، فقال تعالى: " وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ " [التوبة: 75-77].
ومن عواقبه على المجتمع تسليط الأعداء عليه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا معشر المهاجرين؛ خمس إذا ابتليتم بهن؛ وأعوذ بالله أن تدركوهن؛ لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها؛ إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء؛ ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم» (قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: صحيح لغيره).
فيجب على المسلم احترام عهده مع الله عز وجل وما يعاهد به الناس، فإن العهود بين الناس إنما تستمد حرمتها من عهد الله عز وجل الذي نشهده على عهودنا، وكل ذلك مما سنسأل عنه يوم القيامة، قال الله تعالى: " وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً " [الإسراء:34].
مختارات