تابع " الأعمال المثقلة للميزان : العمل الخامس عشر : الأعمال التي وعد أصحابها في كتاب الله عز وجل بالأجر العظيم أو الكبير "
تابع " الأعمال المثقلة للميزان: العمل الخامس عشر: الأعمال التي وعد أصحابها في كتاب الله عز وجل بالأجر العظيم أو الكبير "
[5] خشية الله تعالى بالغيب:
قال الله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ " [الملك:12].
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من سؤال الله عز وجل خشيته بالغيب، فعن عطاء بن السائب عن أبيه رضى الله عنه قال: صلى بنا عمار بن ياسر صلاة فأوجز فيها، فقال له بعض القوم: لقد خففت أو أوجزت الصلاة، فقال: أما على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام تبعه رجل من القوم هو أبي غير أنه كنى عن نفسه، فسأله عن الدعاء، ثم جاء فأخبر به القوم: «اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيمًا لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضاء بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زَيِّنَّا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين» (صححه الألباني في صحيح الجامع).
أخي القارئ إن الله تبارك وتعالى قد يبتلي عبده فيهيئ له أسباب المعصية ليعلم هل يخافه بالغيب، فلا تغتر بخلوتك وعدم رؤية الناس لك، وليكن خوفك ومراقبتك للرب جل وعلا، فإن ذلك صريح الخشية بالغيب، لقد كان الصحابة رضي الله عنهم في الحديبية تغشاهم الوحش والطير في رحالهم وهم محرمون، فلم يعتد أحد على ذلك الصيد الذي نالته أيديهم ورماحهم خوفًا من الله تبارك وتعالى وطمعًا في الأجر العظيم، قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ " [المائدة:94].
فتخيل نفسك أخي الكريم عندما تبتعد عن الناس وعن أهلك وذويك، وتختلي بمعصية، فماذا أنت فاعل؟ فهل ستقدم عليها؟ أو ستحجم عنها متذكرًا الأجر العظيم الذي ستعوض به ممن لا تخفى عليه خافية؟ تلك هي خشية الله تعالى بالغيب.
[6] تقوى الله عز وجل:
قال الله تعالى: " ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا " [الطلاق:5].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: «تقوى الله وحسن الخلق» وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: «الفم والفرج» (حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب).
وتقوى الله عز وجل هي العمل بما أمر الله، والكف عما حرم الله خوفًا من عقاب الله عز وجل، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل (التقوى لصلاح الدين مارديني).
[7] طاعة الله تعالى والصدق والصبر والتواضع والصوم وحفظ الفرج من الحرام والإكثار من ذكر الله تعالى:
قال الله تعالى: " إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا " [الأحزاب:35].
ذكر ابن كثير رحمه الله تعالى معنى القنوت أنه: الطاعة في سكون، ومعنى الخشوع أنه: السكون والطمأنينة والتؤدة والوقار والتواضع (تفسير القرآن العظيم لابن كثير).
[8] قيام الليل:
فعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعًا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات» (صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب).
ومن المعلوم بأن الذاكر الله كثيرًا سيكتب له أجر عظيم كما في الآية السابقة.
[9] غض الصوت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال الله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ " [الحجرات:3].
وقد ذكر القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره نقلاً عن ابن العربي قوله: حرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتًا كحرمته حيًا، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثال كلامه المسموع من لفظه، فإذا قرئ كلامه وجب على كل حاضر ألا يرفع صوته عليه، ولا يعرض عنه؛ كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به، وقد نبه الله سبحانه على دوام الحرمة المذكورة على مرور الأزمنة بقوله تعالى: " وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " [الأعراف:204] وكلامه صلى الله عليه وسلم من الوحي، وله من الحكمة مثل ما للقرآن؛ إلا معاني مستثناة، بيانها في كتب الفقه اهـ (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي).
[10] الجهاد في سبيل الله عز وجل:
ويكون بالنفس والمال وللسان:
أ- الجهاد بالنفس:
قال الله تعالى: " فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا " [النساء:74].
وروى أبو هريرة رضى الله عنه أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد، قال: «لا أجده» قال: «هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر»؟ قال: ومن يستطيع ذلك؟ (البخاري واللفظ له ومسلم).
وثواب المجاهد في البحر يزيد على نظيره في البر بعشرة أضعاف، حيث روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «غزوة في البحر خير من عشر غزوات في البر، ومن أجاز البحر فكأنما أجاز الأودية كلها، والمائد فيه كالمتشحط في دمه» (صححه الألباني في صحيح الجامع) والمائد اسم فاعل من ماد يميد إذا دار رأسه من غثيان معدته بشم ريح البحر (قاله المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير).
والموت مرابطًا في سبيل الله عز وجل من الأعمال التي ينمي الله عز وجل ثوابها لصاحبها إلى يوم القيامة، حيث روى سلمان رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجرى عليه رزقه، وأمن الفتان» (البخاري ومسلم واللفظ له ) والفتان هو فتنة القبر.
وروى فضالة بن عبيد رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل ميت يختم على عمله، إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله، فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن من فتنة القبر» وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله: «المجاهد من جاهد نفسه» (صححه الألباني في صحيح الترمذي).
ب- الجهاد بالمال:
قال الله تعالى: " آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ " [الحديد:7] والمنفق في سبيل الله تعالى يتضاعف أجره إلى سبعمائة ضعف حيث روى خريم بن فاتك رضى الله عنه أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال: «من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف» (صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب).
وروى زيد بن خالدرضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيًا في سبيل الله في أهله بخير فقد غزا» (البخاري ومسلم).
وعنه أيضا رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من جهز غازيًا في سبيل الله كان له مثل أجره، من غير أن ينقص من أجر الغازي شيئًا» (صححه الألباني في صحيح الجامع).
ج- الجهاد باللسان (لفهم بعض صور الجهاد باللسان راجع كتابي: كيف ترفع درجتك في الجنة؟ (صفحة 70)):
فعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله إن الله قد أنزل في الشعر ما قد أنزل، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأنما ترمونهم نضح النبل» (صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن) وروى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» (صححه الألباني في صحيح الجامع).
أفضل الجهاد:
وأفضل الجهاد أربعة أمور هي:
(1) من يكون في الصف الأول فلا يلفت وجهه حتى يُقتل:
فعن نعيم بن عمار رضي الله عنه أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الشهداء أفضل؟ قال: «الذين إن يلقوا في الصف لا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك ينطلقون في الغرف العلى من الجنة، ويضحك إليهم ربهم، وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه» (صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب).
وفي رواية عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الجهاد عند الله يوم القيامة الذين يلتقون في الصف الأول فلا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك يتلبطون في الغرف من الجنة، يضحك إليهم ربك وإذا ضحك إلى قوم فلا حساب عليهم» (صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب).
(2) من عقر جواده وسفك دمه:
فعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الشهداء من سفك دمه وعقر جواده» (حسنه الألباني في صحيح الجامع) وفي رواية عن عمرو بن عبسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الجهاد من عقر جواده وأهريق دمه» (حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة).
(3) من قال كلمة حق عند سلطان ظالم:
فعن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر» (صححه الألباني في صحيح الجامع).
(4) من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل:
فعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه» (صححه الألباني في السلسلة الصحيحة) وفي رواية عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المجاهد من جاهد نفسه في الله» (صححه الألباني في السلسلة الصحيحة).
وروى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل المؤمنين إسلامًا من سلم السلمون من لسانه ويده، وأفضل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وأفضل المهاجرين من هجر ما نهى الله تعالى عنه، وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل» (صححه الألباني في صحيح الجامع).
مختارات