" مات فرعون وفكرُه باقٍ "
" مات فرعون وفكرُه باقٍ "
يقول الدكتور سيد القمني في كتابه " رب الأزمان ": نحن علماء مجتهدون ولا يحق لأحد أيًّا كان مراجعة فكرنا، وليس للدين ولا للمتدينين علينا وصاية، والقرآن يعطي الحق المطلق في حرية العقيدة والفكر.
وقال: إننا اليوم قادرون على أن نفهم ديننا أفضل مما كان يفهمه الصحابة ! واستطرد قائلا أنه لا يسمح أن يسأله أحد عن عقيدته الدينية؛ لأن من يتصدى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إلى توكيل من الله، والإسلام لا يعرف التوكيلات، وأنا مواطن في دولة مدنية، ولست فردًا في دولة الخلافة الإسلامية ! والمشايخ لا يدعون إلى مصادرة كتبي ؛ بل إلى قتلي واغتيالي؛ ولكن أفكاري ستبقى مخلدة !!
أقول: إن التاريخ لا يرحم ولا يجامل ولا يحابى ولا يبخس ولا يداهن ولا يظلم أحدًا على حساب أحد، فما يكتبه أصحاب الأفكار السليمة، وحتى المنحرفة ستبقى مخلدة، كما أبقى الله جل شأنه فكر الأنبياء والصالحين؛ حيث سَجَّلَ فكر أبي بكر الصديق وعدله وهو يخاطب النخبة المختارة من صحابة محمد صلى الله عليه وسلم حين قال قولته الخالدة: " أيها الناس، لقد وُلِّيتُ عليكم ولست بخيركم، ولكني أثقلُكم حملًا؛ فإن رأيتم مني خيرًا فأعينوني، وإن رأيتم شرًا فقوموني " وبقيت دعاوى الفراعنة والملحدين مخلدة كما هي ؛ فهناك فكر فرعون وكفره حين سجَّله الله عز وجل عليه: " وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ " [غافر: 26] ففكر الصالحين يتوارثه أتباعهم إلى يوم القيامة مع حسن الثناء، وفِكْرُ الملاحدة يتوارثه أتباعُهم إلى يوم القيامة مع الخيبة وانقطاع الأمل، وكُلُّ خَلَفٍ يُرَدِّدُ مقالةَ سَلَفٍ في الخير والشر؛ انظر إلى فرعون عليه من الله ما يستحق وهو يُوَجِّهُ فكرَه إلى قومه في مقام الشورى حين قال: " قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ " [غافر: 29] يتضح من الآية الأولى أن فرعون طَلَبَ مِنْ مَلَئِه الموافقةَ على قتل موسى عليه السلام خوفًا من أن يُغَيِّرَ عليهم دينَهم - أي ألوهية فرعون - ويصرفَهم عنها إلى عبادة من خلق الأرض والسماوات العلى، وأخوف ما يخاف فرعون من موسى أن يفسد في الأرض ! وهذا في عرف فرعون هو فساد في الأرض !
وفي شطر الآية الثانية يبدو فرعون واعظًا ومُذَكِّرًا ومُحَدِّثًا وداعيةً مرشدًا إلى سبيل الهدى والصلاح، قال: " وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ " ويقول في مقام آخَر مثبِّتًا قومه على العقيدة: " يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي " [القصص: 38].
هذا هو فكر فرعون وكفره وكبرياؤه وغطرسته، سجلها القرآن الكريم مع قبيح فعله وتخليد ذكره في نار جهنم لا يموت فيها ولا يحيا ثم ذهب الملك والسلطان وبقيت تبعاته المخزية وآلامه الدائمة.
كما قَصَّ الله في كتابه الكريم فِكْرَ أعداء موسى وجبابرة الدنيا أخبرنا الله عنهم حين جاءهم موسى بالبينات " فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ " [غافر: 24] وفي فكر قارون إذ زعم أن كلَّ ما حصل له من مال وجاه أتاه بعد دراسة منه وتخطيط وتَعَمُّق حصل عليه بعلمه ومهارته؛ حيث قال: " إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي " [القصص: 78] وأورد جَلَّ شأنُه فكر وكفر قوم نوح إذ قالوا: " فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ " [هود: 27] وكذلك فكر قوم عاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين؛ فخَلَّد ذكرهم بأسوأ صورة، وكذلك هؤلاء يريدون تخليد ذكرهم بإعلان الكفر ودعواهم أن مع الله آلهةً تعبد في الأرض والسماء وسب الإسلام ورسول الإسلام وشعائر الدين الإسلامي الحنيف، وكأنهم لم يجدوا طريقًا لتخليد ذكرهم أسهل عليهم من سب الإسلام والجهر بالإلحاد والتشنيع على محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته وأصحابه الغُرّ الميامين.
مختارات