تابع " علاج اتباع الهوى "
تابع " علاج اتباع الهوى "
قال شيخ الإسلام – رحمه الله -: «والإنسان خلق ظلومًا جهولاً، فالأصل فيه عدم العلم وميله إلى ما يهواه من الشر، فيحتاج دائمًا إلى علم مفصل يزول به جهله، وعدل في محبته وبغضه، ورضاه وغضبه، وفعله وتركه، وإعطائه ومنعه، وأكله وشربه، ونومه ويقظته، فكل ما يقوله ويعمله يحتاج فيه إلى علم ينافي جهله، وعدل ينافي ظلمه فإن لم يمن الله عليه بالعلم المفصل والعدل المفصل وإلا كان فيه من الجهل والظلم ما يخرج به عن الصراط المستقيم» (مجموع الفتاوى).
وقال في موطن آخر وهو يتكلم عن الحديث السابق: «ثلاث مهلكات...» الحديث «فخشية الله بإزاء اتباع الهوى، فإن الخشية تمنع ذلك كما قال: " وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى " [النازعات: 40] والقصد في الفقر والغنى بإزاء الشح المطاع، وكلمة الحق في الغضب والرضا بإزاء إعجاب المرء بنفسه» (مجموع الفتاوى).
ثانيًا: استحضار عواقب اتباع الهوى وآثاره السيئة في الدنيا والآخرة ففي الدنيا تناقض وذلة وفي الآخرة عذاب وحسرة.
قال ابن الجوزي في ذكر علاج الهوى: «أن يفكر في عواقب الهوى، فكم قد أفات من فضيلة، وكم قد أوقع في رذيلة، وكم من مطعم قد أوقع في مرض، وكم من زلة أوجبت انكسار جاه وقبح ذكر مع إثم.
غير أن صاحب الهوى لا يرى إلا الهوى، فأقرب الأشياء شبهًا به في المدبغة، فإنه لا يجد ريحها حتى يخرج فيعلم أين كان» (ذم الهوى).
ثالثًا: أن يعوّد نفسه مخالفة هواها، ويأخذ بزمامها. ويقوى إرادته، ويروض نفسه على الحق والنطق به والانتصار له ممن كان ولمن كان، كما يروضها على ترك الانتصار والمتابعة للباطل، وعلى ترك المماراة والجدل بغير علم، ولو كان عن نفسه، فليس للإنسان أن يجادل عن نفسه إذا كانت مبطلة فكيف عن غيره.
وقال شيخ الإسلام – رحمه الله -: «إنه لا يجوز الجدال عن الخائن، ولا يجوز للإنسان أن يجادل عن نفسه إذا كانت خائنة، لها في السر أهواء وأفعال باطنة تخفى على الناس، فلا يجوز المجادلة عنها... وقد قال تعالى: " بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ " [القيامة: 14-15] وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخصم» (رواه البخاري ومسلم ) فهو يجادل عن نفسه بالباطل وفيه لدد: أي ميل واعوجاج عن الحق، وهذا على نوعين: أحدهما: أن تكون مجادلته وذبه عن نفسه مع الناس.
والثاني: فيما بينه وبين ربه، بحيث يقيم أعذار نفسه ويظنها محقة وقصدها حسنا وهي خائنة ظالمة، لها أهواء خفية قد كتمتها حتى لا يعرف بها الرجل حتى يرى وينظر» (مجموع الفتاوى باختصار).
رابعًا: أنه يتصور تلك الأهواء في حق غيره، ثم يتلمح عاقبتها بفكره، فإنه سيدرك مدى سوئها وقبحها، وافتضاح صاحبها وحقارته وجبنه وسفالته.
خامسًا: الإكثار من مجالسة أهل التقوى والخشية والعدل والإنصاف والرؤية القويمة للأمور، وفي المقابل يبتعد عن مجالسة أهل الأهواء، ويحذر منهم ويمحص كل ما يصدر عنهم من أقوال وأفعال وتصرفات وألا يقترب منهم إلا لنصحهم ومعالجتهم، إن كان يستطيع ذلك وظن استجابتهم له وانتفاعهم به.
سادسًا: أن يكون وقافًا عند النصوص الشرعية يزن كل ما يصدر منه ومن غيره بميزان الشرع غير متأثر بإرجاف المرجفين، أو تزيين المفسدين، أو أهواء البطالين، أو غير ذلك من أحوال الناس الفاسدة التي ليس لها اعتبار في الشرع، فإن لم تكن لديه القدرة والأهلية للنظر في النصوص الشرعية فليسأل أهل الذكر وليستفت أهل العلم.
سابعًا: اتهام النفس ومحاسبتها دائمًا فيما يصدر منها وعدم الاغترار بأهوائها وتزييناتها وخداعها.
ثامنًا: الإكثار من استشارة أهل العلم والإيمان واستجلاء آرائهم حول ما يريد أن يقوله ويفعله وكذلك ترويض النفس على استنصاح الآخرين وتقبل الآراء الصحيحة الصائبة وإن كانت مخالفة لما في النفس.
تاسعًا: التريث وعدم الاستعجال في إصدار الأحكام وإمضاء الأعمال، والحذر من ردود الأفعال التي قد يكون فيها إفراط أو تفريط وغلو أو تقصير، وجهل وبغي وعدوان.
عاشرًا: الإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله تعالى بأن يجنبه اتباع الهوى ومضلات الفتن ويسأله تعالى أن يوفقه لقول كلمة الحق في الغضب والرضا، كما كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب» (رواه النسائي وصححه الألباني كما في صحيح الجامع الصغير) ويكثر من الدعاء الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب وهو قوله: «اللهم اهدني وسددني» (رواه مسلم) ويدعو بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء» (رواه الترمذي وصححه الألباني كما في صحيح سنن الترمذي).
مختارات