أوهام منعشة
لماذا يصدق الناس بخرافة الأبراج؟ وبأوهام تحليل الخط؟ والتوقيع؟ وبعض برامج تحليل الشخصية؟وما شابه ذلك.
الأسباب متنوعة، لكني سأشير لسبب مركزي في نظري، وهو أن الناس يقعون عادة ضحية لما يسمى”تأثير بارنوم”، والمقصود به هو الميل إلى الاعتقاد بدقة العموميات الغامضة.
دخلت لصفحة تهتم بتحديد الشخصية من خلال الأبراج، وكانت تحظى بمتابعةكبيرة نسبياً، واقتبست منها نموذجاً تطبيقياً، ووجدتهم يزعمون أن أصحاب برج العقرب يتسمون بـ:
1-الوفاء
2- العاطفة
3-الحيلة
4-دقة الملاحظة
5-الديناميكية
وتلاحظ أن كل هذه الصفات شديدة العموم، وأكثر من يقرأ هذه الصفات سيعتقد أنها صفاته الشخصية بدرجة أو أخرى، وهي كذلك غالباً، وفي الإنسان ميول خفية للتصديق بأدنى وهم يكرس من شعوره بالتفوق أو التميز أو الفرادة، فإذا صادف وأن كانت ولادته في برج العقرب فسيزداد قناعة بمصداقية هذه الخرافة، وأحياناً يتمادى به الوهم لتقمّص بعض هذه الصفات.
وذهبت لموقع آخر يزعم صاحبه أنه يحلّل الخطوط، ويستدل بها على شخصية صاحب الخط والتوقيع، ووجدته يحلل توقيع لاعب معروف، ويذكر أن توقيعه يدل على أن لديه خوف من المستقبل، لكبر الهامش الأيسر في التوقيع كما يقول. لاحظ فكرة “الخوف من المستقبل” فهي تصدق على 99%من البشر حول العالم. والغالب أن ذلك اللاعب لديه فعلاً خوف ما من المستقبل، كأغلبنا. فالتعميم الشديد في مثل هذا التحليل يشعر بمصداقية زائفة، وهذا بالضبط هو”تأثير بارنوم”. وأما ذكر المحلل لكون اتساع التوقيع في هامشه الأيسر، يدل على ماذكر، فهذا تعليل ضروري لإضفاء الطابع العلموي، والرصانة المنهجية على عملية التحليل.
وهذا التأثير يمارسه بكثافة تجار الخداع من الجهلة الذين يدعون تفسير الأحلام، وقد راقبت مرة بل مراراً شريط تفسير الرؤى في بعض القنوات التي يسمونها محفظة للأسف، ووجدت أن صيغ الأحلام وتفسيرها تعتمد على تكاذب شبه معلن، وكأن مرسل الأحلام يقول للموظف/المفسر: اخدعني وسأنخدع.
مثلاً امرأة ترسل رؤياً رأتها، ثم تذيّل رؤياها بالقول”مع العلم بأني حامل”. هذه هي الصيغة الأكثر شيوعا، ذكر الحلم ثم يتبعه أمنية مبطنة، تلقائياً يدرك الموظف اللعبة، ويقول كلاماً معتاداً من قبيل “خيراً رأيت، بإذن الله ستواجهك مصاعب وستفرج، وسترزقين ببنت”.
لاحظ أن المفسر المدّعي ذكر أن الأمور ستفرج، وهذا تفسير يصح على كل رؤيا وحلم على وجه الأرض، لأن كل الناس لديهم أزمات، وستفرج أيضاً؛ هذه طبيعة الحياة، فإذا صادف أن المرسل يمرّ فعلاً بضائقة معينة (وهذا حال أكثر الناس)، ثم انحلّت في تلك الأيام؛ فسيترسخ الوهم جداً بصحة تفسير المخادع. أما موضوع”ترزقين ببنت”فهذا تجاوب ودّي مع قولها بأنها حامل ليس أكثر، ولذلك فكل التعقيبات تقريباً التي تذكر في آخر الأحلام والرؤى التي يرسلها الناس، يتنبأ بها المفسر مباشرة، وبحرفية واضحة (مع العلم أني أعزب/ستتزوج، مصاب بعين/ستشفى، مديون/ستفرج…الخ)، لاشك أن الموضوع ينطوي على نصب كبير.
والخلاصة أن كثيراً من الخداع الذي يستثمر رغبة الناس في معرفة تفاصيل شخصياتهم، وأمزجتهم، وطبائعهم النفسية، وكذلك يتنبأ بالغيوب وبالمستقبل الذي ينتظرهم، يعتمد على تقنية شهيرة وهي ميل الأفراد لاعتبار الجمل والصفات والآراء التي تنطبق على الجميع تقريباً تنطبق عليه بالأخص، الأمر الذي يشعر المتابع والقارئ لتجار الخداع بالمصداقية الزائفة.
مختارات