" من أساليب الشيطان فى غواية الإنسان : الاستحواذ على ثغر العين "
" من أساليب الشيطان فى غواية الإنسان: الاستحواذ على ثغر العين "
النظر المسموم من أخطر سهام الشيطان وأفتك أسلحته بإيمان العبد المسلم، ولذلك فحرصه عليه أشدُّ من حِرصه على غيره، لأنَّ خطر فتنة النظر من خطر فتنة المنظور إليه، ولَمَّا كان المنظور إليه النساء، وهنَّ فتنةٌ على العبد؛ كان النظر إليهنَّ أخطر عليه، وكان بذلك الشيطان أحرص على إغواء المسلم به، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحذِّر أمَّته من فتنة النساء ويقول: «إنَّ الدنيا حلوة خضرة، وإنَّ الله مستخلفكم فيها فناظرٌ ماذا تفعلون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإنَّ أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» (رواه مسلم).
ويقول صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي في الناس فتنةً أضرَّ على الرجال من النساء» (رواه مسلم).
ولذلك قرن الله جلَّ وعلا بين حفظ الفرج وغضِّ البصر فقال: " قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ " [النور: 30].
وللشيطان في استحواذه على ثغر العين مسلكان:
الأول - صرف العين عن النظر إلى مواطن الاعتبار.
الثاني - توجيهها إلى النظر المحرم.
فأما المسلك الأول:
فيعمد فيه الشيطان إلى صرف العين عن كلِّ ما يقوِّي إيمان المسلم ويشدُّ عزمه ويدلُّه على الهدى والرشاد، فيحرص أشدَّ الحرص عن صرف العين عن آيات الله الشرعية والكونية.
فكلَّ ما تأهَّب المسلم لتلاوة القرآن شغله ووسوس له بالشواغل والمغريات؛ فإذا لم يظفر منه بالمراد صرف عينه عن تدبُّر القرآن وفهم معانيه، وجعله ينثره نثر الدقل دونما إعمال لِما يقتضيه من التوحيد والعبادات، ودونما تأثر بما يدُلُّ عليه من الوعد والوعيد..وكلَّما عمد المسلم إلى تعلُّم دينه والتفقُّه في شرعه؛ شغله وألهاه وأغفله عن النظر إلى ذلك بالتزيين لِما سواه وتقبيحه وتشنيعه. وكلَّما رأى من العبد وقفة تأمُّل في خلق الله وفي كونه وما فيه من الآيات الباهرة والدلائل القاهرة؛ صرف نظره عن ذلك بالوساوس، وهوَّن من شأن الآيات وما تقتضيه من الإيمان والإذعان للخالق الديان.
وهذا يظلُّ يقطع عليه كلَّ نظرة جالبة للخير، ويحوِّلها من حالها إلى نظرة التفرُّج والاستحسان حتى يبطل أثرها الطيب في القلب.
وأما المسلك الثاني:
فيعمله الشيطان للإيقاع بالمسلم في براثن الزنا والفساد، وما من شيء أسرع في قذف بذور الشهوة في القلب من النظرة؛ لذلك فالشيطان يجعلها أهم مداخله لنفث بذر الشهوة في القلب، ثم يسقيها بماء الأمنية، ولا يزال بالتغرير والأماني والوعود حتى يقوِّي عزيمة الناظر ويُوقِد شهوته وإرادته، ثم يُرديه صريعًا في مهاوي المعصية، لذلك ورد في النهي عن النظر المحرَّم نصوصٌ كثيرةٌ تُبيِّن خطورته وضرره، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فمن غض بصره عن محاسن امرأة لله أورث الله قلبه حلاوة إلى يوم يلقاه» (رواه الحاكم).
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تتبع النظر النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الأخرى» (رواه أبو داود والحاكم).
يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى:
والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان؛ فإنَّ النظرة تولِّد خطرة، ثم تولِّد الخطرة فكرة، ثم تولِّد الفكرة شهوة، ثم تولِّد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بدَّ ما لم يمنع منه مانع.. ولهذا قيل " الصبر على غضِّ البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده " (الجواب الكافي).
وهكذا فإن استحواذ الشيطان على ثغر العين يُمكِّنه بأسهل طريق إلى الاستحواذ على الإنسان كلِّه وإيقاعه في أعظم الفواحش وأخبثها: الزنا، فإذا هو انتبه وكفَّ عن النظر والمطالعة، عوَّضه الله خيرًا منه، واستراح قلبه من كلفة طلب ما يرى، وأذهب عنه مغبَّة الهوى، وفوَّت على الشيطان موارد الردى !
وسهم النظر من أخطر السهام التي يفتك بها الشيطان إيمان المسلم، ويفوِّت عليه بذلك الفتح الفوائد العظيمة التي يُثاب عليها المؤمن إن هو غضَّ بصره وقهر صبوته.
قال تعالى: " يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ".
قال الشنقيطي رحمه الله: " فيه الوعيد لمن يخون بعَينه بالنظر إلى ما لا يحل له ".
وبهذا السهم الخطير انتشرت الفواحش والكبائر والأمراض والأدواء في سائر الأرجاء، والله المستعان.
مختارات