منازل الأعمال
في حاجة أنت إلى معرفة منازل الأعمال وطبقات الناس، ومنافذ نفوسهم، فما يصلح لفلان قد لا يصلح لغيره، ولربما كان المفضول في حقه خيرًا من الفاضل في حق غيره.
يقول أبو العباس رضي الله عنه:
وقد يكون المفضول في كثير من المواضع أفضل مما جنسه فاضل...فالصلاة أفضل من القراءة، والقراءة أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الدعاء؛ مع أن القراءة والذكر والدعاء بعد الفجر وبعد العصر أفضل من تحري صلاة التطوع في ذلك وكذلك التسبيح في الركوع والسجود أفضل من قراءة القرآن فيه.
وقد يكون بعض الناس انتفاعه بالذكر والدعاء أعظم من انتفاعه بالقراءة فيكون أفضلَ في حقه.
ثم قال: والعبد قد يأتي بالحسنة بنية وصدق وإخلاص تكون أعظم من أضعافها. كما في حديث صاحب البطاقة الذي رجحت بطاقته التي فيها: " لا إله إلا الله " بالسجلات التي فيها ذنوبه. وكما في حديث البغيِّ التي سقتْ كلبا بمُوقها ( يعني خفها الذي تلبسه) فغفر الله لها.
انتهى باختصار.
وقال رضي الله عنه: فالعمل الواحد يكون فعله مستحبا تارة وتركه تارة باعتبار ما يترجح من مصلحة فعله وتركه بحسب الأدلة الشرعية.
والمسلم قد يترك المستحب إذا كان في فعله فساد راجح على مصلحته كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم وقال لعائشة رضي الله عنها: {لولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض ولجعلت لها بابين بابا يدخل الناس منه وبابا يخرجون منه} والحديث في الصحيحين. فترك النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر الذي كان عنده أفضل الأمرين للمعارض الراجح وهو حدثان عهد قريش بالإسلام لما في ذلك من التنفير لهم فكانت المفسدة راجحة على المصلحة.
ولذلك استحب الأئمة أحمد وغيره أن يدع الإمام ما هو عنده أفضل إذا كان فيه تأليف المأمومين، مثل أن يكون عنده فصلُ الوتر أفضلَ بأن يُسَلِّم في الشفع ثم يصلي ركعة الوتر وهو يؤم قوما لا يرون إلا وصلَ الوتر، فإذا لم يمكنه أن يتقدم إلى الأفضل كانت المصلحة الحاصلة بموافقته لهم بوصل الوتر أرجح من مصلحة فصله مع كراهتهم للصلاة خلفه!
إلى آخر كلامه رحمه الله
مختارات