" من أساليب الشيطان فى غواية الإنسان : الاستحواذ على القلب "
" من أساليب الشيطان فى غواية الإنسان: الاستحواذ على القلب "
القلب هو مادة الصلاح والفلاح، وهو مناط النجاة والنجاح، فبصلاحه يصلح حال العبد في الدنيا والآخرة، كما أنَّ بفساده يخسر الدنيا والآخرة، ولذلك قال الله تعالى: " يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ".
فلما كانت سلامة القلب هي مناط النفع في الدنيا والآخرة جعله الشيطان أعظم الثغور استهدافًا فراح يتفنَّن في أساليب إعلاله وقتله والقلوب بحسب تمكن الشيطان منها واستحواذه عليها ثلاثة:
الأول - قلب ميت:
وهو الذي قد تمكَّن الشيطان منه تمكُّنًا خالصًا، واستحوذ عليه استحواذًا مطلقًا، قد مُلئ شِركًا وكُفرًا، لا يعرف صاحبه ربَّه ولا يعبده بأمره، بل هو واقف مع شهوته ولذَّته ولو كان فيه سخط ربه وغضبه، إن أحبَّ أحبَّ لهواه، وإن أبغض أبغض لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، فالهوى إمامه، والشهوة قائدة، والجهل سائقه، والغفلة مركبه !
الثاني- قلب مريض:
وهو الذي قد تمكَّن الشيطان من بعضه ولم يظفر به كلِّه، فاستحواذه عليه بحسب غفلته وغلبة هواه؛ فهو قلبٌ حيٌّ بالإيمان وعليل بوساوس الشيطان فهو بين داعِيَين: داعي الإيمان وداعي الشيطان.
الثالث - قلبٌ حيٌّ سليم:
وهو الذي قد سلم من استحواذ الشيطان، وكان غالب حاله النجاة من نَيله ونزعه، وهو القلب الذي قد خلصت عبوديته لله، فنجا بإخلاصه لمولاه من بطش إبليس وعدواته.
فكيف يستحوذ الشيطان على القلوب؟
ولما كان القلب هو مناط الصلاح فإنَّ عدو الله إبليس ينهج نهجَين مترابطَين للإضرار والفتك به:
الأول - إدخال المواد الفاسدة عليه.
الثاني - قطع موارد صلاحه وطمأنينته.
إدخال المواد الفاسدة على القلب:
قال تعالى: " وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ".
فالنفس الأمَّارة بالسوء أكبر عون للشيطان في إغواء الإنسان، فكلَّما وجد منها أمرًا بالفساد والانحراف أعانها عليه واستعان بها عليه، وأمدَّها به، بل إنه ليستمدّ منها خطرات السوء، وليجد فيها ما لو كان وحده لم يقدر عليه !
وإذا تأمَّلت أخي الكريم في قول الله تعالى: " إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ " وجدت كلمة «أمَّارة» تدلُّ مبالغتها على كثرة أوامرها، وأن ذلك هو عادتها وديدنها ودأبها، ولذلك قال «أمَّارة» ولم يقل «آمِرَة»، ومن هذا فإنَّ الشيطان يجد فيها العون الأكبر على نفث خطراته الشريرة؛ فهي أنسب حرثٍ لِمَا يزرع، وأحدُّ سيفٍ يقطع !
فمن رامَ حفظ نفسه من شرور الشيطان حاسب نفسه على كلِّ خطرة، وأدام في أوامره الفكرة.. قال تعالى: " وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ".
قال أحد السلف: انتهى سفر الطالبين إلى الظفر بأنفسهم، فمن ظفر بنفسه أفلح وأنجح، ومن ظفرت به نفسه خسر وهلك.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبه الحاجة: «الحمد لله، نستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا...».
والأحاديث في معنى الاستعاذة من شرور النفس كثيرة في السُنة.
قطع موارد صلاح القلب:
وذلك بقطع الطريق على كلِّ ما يُمكِّن من تقوية القلب وسلامته، ولأجل ذلك يعتمد الشيطان على شيئين:
الأول - الغفلة.
الثاني - الشهوة.
1- الغفلة:
قال تعالى: " اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ "
وقال تعالى: " وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ "
وقال تعالى عن آدم عليه السلام: " وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ".. وإنما أنساه الشيطان بإغوائه وإضلاله.
ففي هذه الآيات دلالة على أنَّ الغفلة سلاح فتَّاكٌ ينهجه الشيطان لإبعاد الإنسان عن ذِكر الرحمن؛ فيُثقله عن أداء الصلوات، ويُثبطه عن حضور مجالس الذِكر، ويُوسوس له في ذلك ويُخوِّفه، ويُزيِّن له العزلة والانفراد ليظفر به، وليحيل بينه وبين الاجتماع بالصالحين وحضور الجماعات والجمعات، وما من خطوة خيرٍ إلاَّ وتجد للشيطان فيها تقبيحًا وتنفيرًا.
2- الشهوات:
فالنفوس بطبيعتها ميَّالة للشهوات محبَّة لها، ولذلك فالشيطان إذا وجد من العبد ميلاً إليها زيَّنها في قلبه وقرَّبها إليه وجاهد في تحسينها وتحبيبها إلى قلب الإنسان حتى يتمكَّن منه، لاسيَّما مع وجود الميل الأصلي في قلب العبد لملذَّات الدنيا ومغرياتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حُفَّت النار بالشهوات وحفَّت الجنة بالمكاره».. ويظل عدوُّ الله يشمُّ الإنسان ويتحسَّس ما يشتهيه حتى يوقعه في مصائده، فإن كان العبد أضعف أمام النساء زيَّن له النظر المحرَّم والخلوة والمعاكسات والاختلاط بالأجنبيات، وإذا كان العبد أضعف أمام شهوة المال حبَّبه إليه وزيَّن إليه جمعه حتى يُوقعه في الغشِّ والخداع والمكر في البيوع، والتدليس والكذب والحنث في الربا.
ويظلُّ يستعين بالنفس الأمَّارة والغفلة والشهوة وقطع موارد الصلاح حتى يفسد عليه قلبه أو يُوقعه في الهلاك الجسيم.. نسأل الله العافية.
مختارات