" عقبة الجبر "
" عقبة الجبر "
هذه العقبة يَحْتَجُّ بها أيضًا كثيرٌ من العُصاة على معاصيهم ومخالفاتهم؛ فيقولون: أليس اللهُ خالقَ كلِّ شيء ولا يحدث شيء في هذا العالم إلا بإرادته؛ فلو شاء الله - عز وجل - أن نطيعه لأطعناه، ولو شاء أن نعصيه لعصيناه
وهذه حجَّةٌ صلعاء قديمة أبطلها الله - عز وجل - في كتابه، وهي باطلة شرعًا وحسًّا وعقلاً؛ قال تعالى: " سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ " [الأنعام: 148]؛ فَبَيَّنَ تعالى أن هؤلاء المحتجِّين بالقدر على شركهم كان لهم سلفٌ كَذَّبوا كتكذيبهم، واستمروا عليه حتى ذاقوا بأسَ الله، ولو كانت حجَّتُهم صحيحةً ما أذاقهم اللهُ بأسَه.
عن على بن ابي طالب رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما منكم من احد الا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار فقلنا يا رسول الله افلا نتكل وفي رواية (افلا نتكل على كتابنا وندع العمل)؟قال لا اعملوا فكل ميسر وفي رواية (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)اما من كان من اهل السعادة فييسر لعمل اهل السعادة واما من كان من اهل الشقاوة فييسر لعمل اهل الشقاوة ثم قرا (فاما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى واما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى) (رواه البخارى).
والقدر سرٌّ مكتومٌ لا يعلمه إلا الله حتى يقع؛ فمن أين للعاصي العلم بأن الله كتب عليه المعصية حتى يقدم عليها؟ أفليس من الممكن أن يكون الله تعالى قد كتب له الطاعة؟ فلماذا لا يقدم على الطاعة بدلاً من إقدامه على المعصية؟
فالعاصي إنما يعصي اللهَ بإرادته واختياره؛ كما أنَّه يطيعه بإرادته واختياره، وكما أنَّه يختار لنفسه ما هو أنفع له وأصلح في الدُّنيا بإرادته واختياره، فلو عُرضَ عليه عملان متماثلان أحدهما براتب زهيد والآخر براتب كبير فهل سيختار الراتب الزهيد ويقول: إن الله - عز وجل - قَدَّرَ لي ذلك، أم أنَّه سيختار الراتب الكبير؟! سيختار - بلا شك - العملَ ذا الرَّاتب الكبير.. إذن فلماذا لا يختار الطاعة على المعصية طالما أن له إرادةً واختيارًا؟!.
مختارات