اللبنة السابعة
يا أيها المدثر قم فأنذر و ربك فكبر وثيابك فطهر و الرجز فاهجر
ربما تبدو المسافة هائلة بين لحظة التصاق النبي عليه السلام بالفراش الذي يتمنى لو أنه يحتويه و بين صوت الوحي و هو يطرق الصمت بقوة و يدعوه للنفير !
كانت هذه الأغطية الثقيلة تسحب الروح الخائفة نحو هدوء مؤقت.. يتوغل النبي في دفئها حتى يود لو أنها تحميه من دهشة الحقيقة.. فقد كان هذا اليوم هو آخر نهار في انتظار الحقيقة..
كانت الشهور قبل تلك اللحظة تلد الأهلة يتيمة ! فيظل الزمن بلا معنى و يظل هبل هو الأقوى
(قم) يا محمد بهذه الصرامة الشديدة في اللغة.. قم فالقادر على رمي أغطيته قادر على النهوض
قم فإنما يتدثر فقط الغائبون عن موعد الشروق !
قم فانت الذي ستمسح كل الجراح العتيقة و ستسكت نزف الدماء الخفية
يبدو الفارق في الآية بين مشهد (المدثر) و بين إيقاع (قم) الشديد كما هو الفارق بين حياة نرغبها و نهدأ في صمتها و بين حياة تنتظرها السماوات و الأرض...
كان الطريق الى القيام الذي يليق بمستوى الرسالة يتضح في قوله (و ثيابك فطهر و الرجز فاهجر)
فنحن نهرم فقط و نسقط و نعجز عن الوقوف إذا نبت السوس في داخلنا فلا شيء من الخارج يخيف !
آثامنا و اضطراب خطونا هو من يشعل وقود حرائقنا و يبقينا في متاهات الطريق !
هل تعلم أن بعض الآثام من شدة ضلالها و إضلالها لها دوي في الميزان إذا سقطت !
إذ أن بعض الخطايا تشبه مدينة بأكملها لا زال رمادها حارا و يقظا فقد أشعلها احدهم بكلمة و لم يمت من بعدها الحريق !
بعض الخطايا أبقت أمة بأكملها على حافة الغرق و تركتها تموج كأنها سفينة معطوبة في وسط الطوفان !
بعض الخطايا تغور في أعماق المكان تتجذر كشجرة خبيثة تلقي عجرها في عقول الناس !
و بعض الخطايا حسنة تحتها شهوة خفية تكشفها الصحائف التي لا تخطىء الحساب !
الذنوب لا تتساوى في القصاص
تتباين على قدر امتدادها و تعدي أثرها.. فهل تراك سمعت بالذنوب المتعدية؟!
تلك التي لم تبق في الدهاليز بل خرجت تجاهر في العلن و تفرح و هي (تشيع الفاحشة في الذين آمنوا)
تلك التي جاوزت سياج نفسك الى سياج غيرك فخرقت فيه ثلمة نفد منها الغبار الى أرض قلب كان قد عف زمناً طويلا
تلك التي يظل أنينها يزحف حتى يؤتى بالعبد يوم القيامة و قد تعلق في رقبته الألف و الألفان !
و قد كان هذا بعض فقه السلف و كانوا لأجله يتواصون بقولهم (طوبى لمن مات و ماتت معه ذنوبه) !
و هذا ابن عباس يسأل عن رجل كثير العمل كثير الذنب فيرد (ما أعدل بالسلامة شيئا) يرددها و هو يقصد ان السلامة من الذنب اعظم من كثرة العمل
(وثيابك فطهر و الرجز فاهجر) هكذا تفيض الآيات و تلتحم في معنى مسبوك
لا قيام دون الطهارة العميقة تلك التي تلتمع في ثيابك و تنتشلك من عمق التيه !
مختارات