" كشف عورة المسلم وخذلانه "
" كشف عورة المسلم وخذلانه "
كشف عورة المسلم: أما كشف عورة المسلم فإن جزاءه معجل ولا بد وهو هتك عورة من فعله وفضحها جزاء وفاقًا، ويكون كشف عورة المسلم وفضحه بطرق هي:
الأولى: وهي كشف عيوبه للناس وإظهاره للتَّشهير به، وتنفير الناس منه، وتنقيصه وتجريحه من غير موجب شرعي لذلك، وهذا ديدن كثير من الناس إلا من رحم الله، وقد ورد وعيد شديد في حق من فعل ذلك؛ قال الله جل وعلا: " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " [النور: 19].
الثانية: تتبع عورة المسلم، والاطلاع على عيوبه، سواء عن طريق التجسُّس عليه، أو متابعة أحواله بسؤال الناس واستغفال عماله أو أطفاله أو جيرانه أو أهله وأصحابه أو نحو ذلك من الأساليب الذميمة التي تفضي إلى كشف المخبوء من عورات الناس.
والمتتبع لعورات المسلمين وإن يكن ساترًا لما يعلمه من تلك العورات فهو عن فضح سريرته وهتك عورته غير بعيد؛ لأن جزاء تتبُّع العورات عند الله هو هتك عورة من فعل ذلك وفضحه؛ لا مجرد جزائه بتتبع عورته؛ وهذا ما يجعل الأمر في غاية الخطورة لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ! يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبَّع عورةَ أخيه المسلم يتتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله»(رواه الترمذي).
لا تكشفن مساوي الناس ما ستروا فيهتك الله سترًا عن مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ولا تعب أحدًا منهم بما فيكا
سمع أعرابيٌّ رجلاً يقع في الناس، فقال: قد استدللت على عيوبك بكثرة ذكرك لعيوب الناس؛ لأن الطالب لما يطلب بقدر ما فيه منها.
الثالثة: تعيير المسلم بذنبه؛ فعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيِّروهم ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإن من تتبع عورة أخيه المسلم يتتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله» (رواه الترمذي و هو في صحيح الجامع).
يقول ابن القيم الجوزية: إن تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثما من ذنبه، وأشد من معصيته؛ لما فيه من صولة الطاعة، وتزكية النفس، وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة من الذنب، وإن أخاك باء به، ولعل كسرته بذنبه، وما أحدث له من الذل والخضوع والإزراء على نفسه، والتخلص من مرض الدعوى والكبر والعجب، ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس، خاشع الطرف، منكسر القلب - أنفع له، وخير من صولة طاعتك، وتكثرك بها والاعتداء بها، والمنة على الله وخلقه بها، ولعل الله أسقاه بهذا الذنب دواء استخرج به داء قاتلاً هو فيك ولا تشعر(مدارج السالكين لابن القيم ).
هذا مَنْ عَيَّرَ المسلمَ بذنب قد فعله، فكيف بمن عير المسلم بشيء ليس له فيه يد؛ كأن يكون سمينًا أو طويلاً أو جاهلاً أو قليل الفهم أو نحو ذلك.
الرابعة: الافتراء على المسلم وقذفه في عرضه، وهذا من أعظم الكبائر التي يعجل الله جل وعلا عقابها في الدنيا، وقد ورد التنصيص على ذلك في القرآن الكريم صريحًا؛ قال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " [النور: 23].
واللعن هو الطرد من رحمة الله - جل وعلا - في الدنيا؛ فيحرم المسلم بذلك من موارد الخير ومفاتيح الفضل، وفي الآخرة أيضًا؛ حيث لا عاصم من أمر الله إلا من رحم !
وقال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " ؛ فإذا كان مجرَّد حبِّ إشاعة الفاحشة في المؤمنين والرضا به موجب للعذاب الأليم في الدنيا، فكيف بإشاعة الفاحشة نفسها ! فلا شك أن عذاب صاحبها أنكى، وعاقبته في الدنيا أخزى وأردى؛ نسأل الله المعافاة في الدنيا والآخرة.
قال أبو عاصم النبيل: لا يذكر الناس بما يكرهون إلا سفلة لا دين لهم. وقال مالك رحمه الله: كفى بالمرء شرًا أن لا يكون صالحًا ويقع في الصالحين (صفة الصفوة).
خذلان المسلم: ففي الحديث الصحيح عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من امرئ يخذل امرءًا مسلمًا في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلمًا في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته» (رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني في صحيح الجامع).
وهنا أمور يجب التنبيه عليها: الأولى: أن الحديث يشمل المسلم - أي مسلم - ولا يستلزم نصره أن يكون معروفًا لدى من نصره؛ وإنما يجب نصره ويحرم خذلانه بمجرد أن يكون مسلمًا ويصدق عليه اسم الإسلام، وسواء كان ذاك المسلم المنتقص من عرضه حاضرًا أم غائبًا.
الثانية: أن نصر المسلم وعدم خذلانه يكون بأمور هي:
عدم السماح بغيبته وذكره بما يكره.
عدم السماح بالسخرية منه وهمزه ولمزه وتعييره والتجسُّس عليه وكشف عورته وتتبُّعها !
عدم السماح بأخذ ماله وممتلكاته وهضم حقه.
عدم السماح بانتهاك عرضه وحرمته.
عدم السماح بإيذائه بأي شكل من الإيذاء سواء في حضوره أو غيبته.
فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه، التقوى هاهنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم» (رواه البخاري ومسلم ).
الثالث: أن الله جل وعلا جعل الجزاء في هذه الخصال من جنس العمل وجعلها معجلة في الدنيا؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نصر أخاه بظهر الغيب نصره الله في الدنيا والآخرة» (رواه البيهقي وحسنه الألباني في الصحيحة).
مختارات