التقوى
التقوى شيء عظيم ومنزلة سامية وهي أساس الدين ولا حياة إلا بها بل إن الحياة بغيرها لا تُطاق بل هي أدنى من حياة البهائم فليس صلاحٌ للإنسان إلا بالتقوى، هي كنزٌ عزيز لئن ظفرت به فكم تجد فيه من جوهر شريف وخيرٍ كثير ورزق كريم وفوز كبير وغنمٍ جسيم وملكٍ عظيم، فكأن خيرات الدنيا والآخرة جُمِعَت فجُعِلَت تحت هذه الخصلة الواحدة التي هي التقوى..!
وتأمل ما في القرآن من ذكرها، فكم عُلِّق بها من خير، وكم وُعِد عليها من خير وثواب، وكم أضيف إليها من سعادة..!
هذه التقوى ظلالٌ طاب العيش فيها..هذه التقوى حياة كريمة.. فما هي وما تعريفها وكيف تحصل التقوى وماهي ثمراتها وما درجاتها وماهي الأسباب المعينة عليها..؟
التقوى هي الاسم من التقى والمصدر الاتقاء وهي مأخوذة من مادة وقى فهي من الوقاية، وهي ما يحمي به الإنسان نفسه، وتدل على دفع شيء عن شيء لغيره، فالوقاية ما يقي الشيء، ووقاه الله السوء وقاية أي حفظه..
وأما المعنى الشرعي فقد ذكر العلماء في تعريفها عدة عبارات فمن ذلك قولهم..
- أن تجعل بينك وبين ما حرم الله حاجباً وحاجزاً..
- امتثال أوامر الله واجتناب النواهي فالمتقون هم الذين يراهم الله حيث أمرهم، ولا يقدمون على ما نهاهم عنه..
- التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل..
- التقوى أن يجعل المسلم بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك وذلك بفعل طاعته واجتناب معاصيه..
- " وقد سأل عمر رضي الله عنه أُبَي بن كعب فقال له: ما التقوى؟ فقال أُبَي: يا أمير المؤمنين أما سلكت طريقاً فيه شوك؟ قال: نعم.. قال: مافعلت؟..قال عمر: أشمّر عن ساقي وأنظر إلى مواضع قدمي وأقدم قدما وأؤخر أخرى مخافة أن تصيبني شوكة..فقال أُبَي بن كعب: تلك التقوى..! "، فهي تشمير للطاعة ونظر في الحلال والحرام وورع من الزلل ومخافة وخشية من الكبير المتعال سبحانه وتعالى..
- التقوى هي أساس الدين، وبها يرتقى إلى مراتب اليقين، هي زاد القلوب والأرواح فبها تقتات وبه تتقوى وعليها تستند في الوصول والنجاة..
- قال ابن المعتز:
خلّ الذنـــــــــــوب صغيرها وكبيرها فهو التقـــــــــى
واصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر مايـــــــــــــرى
لا تحقرنّ صغيرة إن الجـــــــــــــــــــــــبال من الحصـى
- قال ابن رجب – رحمه الله -: أصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقيه منه..
- وتارة تضاف التقوى إلى اسم الله عزوجل كقوله { واتقوا الله}، فإذا أضيفت التقوى إليه سبحانه فالمقصود اتقوا سخطه وغضبه،ليس المقصود اتقوا القرب منه ولا اتقوا شرعه لكن اتقوا عذابه وسخطه، وعن ذلك ينشأ عقابه الدنيوي والأخروي كما قال تعالى: {ويحذركم الله نفسه}، وقال سبحانه: {هو أهل التقوى}، هو أهلٌ أن يتقى وأن يخشى وأن يهاب وأن يجلّ وأن يعظّم سبحانه وتعالى وأن يعظم في صدور عباده حتى يعبدوه ويطيعوه لأنه المستحق للجلال والإكرام وهو صاحب الكبرياء والعظمة وقوة البطش..
- وتارة تضاف التقوى إلى عقاب الله أو إلى مكان العقاب كالنار { واتقوا النار}، أو إلى زمان العقاب كيوم القيامة {واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله}..
- ويدخل في التقوى الكاملة فعل الواجبات وترك المحرمات والشبهات، وربما دخل فيها أيضاً فعل المندوبات وترك المكروهات والمشتبهات فقول الله تعالى:{ آلم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين} يشمل ذلك كله..
- قال ابن القيم – رحمه الله – في التقوى في تعريفها الشرعي: حقيقتها العمل بطاعة الله إيماناً واحتساباً أمراً ونهياً، فيفعل ما أمر الله به إيماناً بالآمر وتصديقاً بوعده، ويترك ما نهى الله عنه إيماناً بالناهي وخوفاً من وعيده..
- قال طلق بن حبيب:إذا وقعت الفتنة فأطفئوها بالتقوى، قالوا: و ما التقوى؟قال: أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نورٍ من الله، تخاف عقاب الله.. " وهذا من أحسن ما قيل في حدّ التقوى "..
- والتقوى أيضاً امتثال الأوامر واجتناب النواهي وتكون على ثلاث مراتب:
1- التوقّي من العذاب المخلّد صاحبه و هو المشرك الكافر، وذلك باتباع التوحيد وكلمة التوحيد وهي المقصودة بقوله تعالى: { وألزمهم كلمة التقوى}.
2- أن تتقي كل ما يكون سبب للعذاب في النار ولو لبرهة يسيرة من كبائر وصغائر، وهو المتعارف عليه في الشرع.
3- أن يتنزه العبد عن ما يشغل نفسه عن الله تعالى ولو كان مباحات تشغله عن السير لله أو تُبَطّيء سيره، فهذه مرتبة الكُمّل وهذه المرتبة العالية فإن الانشغال بالمباحات يشغل القلب عن الله عزوجل وربما يؤدي إلى القسوة وبالتالي يؤدي إلى الوقوع في المكروهات والمكروهات تؤدي للوقوع في المحرمات، وهذا مسلسل يعرفه الإنسان من نفسه في عدد من الأحيان.
قال بعض الواعظين: " اعلم أولاً بارك الله في دينك وزاد يقينك أن التقوى في قول أهل إصلاح الباطن تنزيه القلب عن الذنب حتى تحصل لك من قوة العزم على تركه وقاية بينك وبين سائر المعاصي، وتتوطّن نفسك على ترك كل قبيح ".
و التقوى تُطلَق في القرآن الكريم على عدد من الأمور:
1- تأتي بمعنى الخشية والهيبة كما قال تعالى:{وإيايَ فاتقون} أي اخشوني وهابوني، وكذلك في قوله: {واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله}أي خافوا هذا اليوم وما فيه { ويخافون يوماً كان شره مستطيراً}.
2- تأتي بمعنى الطاعة والعبادة كقوله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته} يعني أطيعوه حق الطاعة واعبدوه حق العبادة، وهو قول مجاهد: أن يطاع فلا يُعصَى وأن يُذكر فلا يُنسى وأن يُشكر فلا يُكفَر.
3- تطلق على التنزه عن الذنوب وهذه هي الحقيقة في تعريف التقوى في الاصطلاح، قال عز وجل:{ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون}، يتقه أي يترك المعاصي والذنوب، فترك الطاعة والخشية ثم ذكر التقوى فعلمنا أن حقيقة التقوى شيء إضافي غير الطاعة والخشية في هذا النص وهو تنزيه القلب عن كل قبيح.
4- وكذلك يقال في مراتب التقوى أو حالات التقوى: 1- اتقاء الشرك.2- اتقاء البدعة.3- اتقاء المعصية.، والله عزوجل ذكر التقوى ثلاث مرات في آية واحدة، فقال سبحانه وتعالى: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا}، فهذا التكرار ليس تكراراً مجرداً، فقال بعضهم: التقوى الأولى تقوى عن الشرك، والثانية تقوى عن البدعة، والثالثة عن المعاصي، ويقابل الأولى التوحيد، والثانية السنة، والثالثة الطاعة، فجمع بين هذه المنازل الثلاث (منزلة الإيمان ومنزلة السنة ومنزلة الاستقامة والطاعة).
وكذلك التقوى يدخل فيها كما تقدم الحذر من المكروهات والمشتبهات، فلا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس، ومن الناس من يتقي نفسه الخلود في النار،هذه همته، ولا يتقي المعاصي التي تدخله جهنم ولو حيناً من الدهر فيقر بالتوحيد ويصدق بالرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول أنا مسلم، و يأتي بأركان الإسلام والإيمان لكن لا يحرص على أن يقي نفسه دخول النار بالكلية فيفرط في واجبات ويفعل محرمات..، فينبغي أن يعلم أي درجة من التقوى هو عليها، وهذا لا يستحق صاحبه اسم المتقي بإطلاق.لماذا..؟ لأنه متعرض للعذاب مستحق للعقاب بما يفعله إلا أن يتداركه الله برحمته ويدخل في المشيئة، لأن أهل التوحيد ممكن أن يدخلوا في المشيئة، أي يعفو الله عنهم وإن شاء عذبهم بحسب أعمالهم حتى يخرجوا من النار يوماً من الأيام.
ومن الناس من يتقي الكفر وكبائر الذنوب ويعمل طاعات و يفعل واجبات، لكن لا يمتنع من الصغائر ولا يكثر من النوافل، فهذا أقرب للنجاة لكن لا تستطيع أن تطلق عليه أيضاً أنه شخص تقي أو متقي وقد قال تعالى:{ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}، وقوله صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات)، لكن قد لا تكفي، قد تكون الصغائر كثيرة جداً بحيث أن هذه لا تكفي للتكفير، ولم يأخذ هذا الشخص جُنّته من النار ووقايته منها بالكامل فهناك تقصير ووقوع في الصغائر، وقد يؤدي إلى الاجتراء على الكبائر فيما يُستَقبل. ولذلك الله عز وجل قال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته}، يعني كلها، ليس أن تتقي الخلود فقط في جهنم، أو تتقي الكبائر فقط، بل لابد من اتقاء الصغائر أيضاً، اتقاء كل مايؤدي للدخول في النار، أن تجعل بينك وبين النار جنّة حصينة بهذه الطاعات.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (تمام التقوى أن يتقي اللهَ العبدُ حتى يتقيه من مثقال ذرة وحتى يترك ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراماً)، طبعاً ليس المقصود أن يترك كل الحلال لكن الحذر يقتضي أحياناً ترك شيء من المباح خشية الوقوع في الحرام، ورَع.فإن الله قد بين للعباد أنه من يعمل مثقال ذرة شرّاً يره، فلابد أحياناً حتى تتقي الذرة من الشر أن توسع الدائرة لتبتعد، ولذلك " لا يرتع غنمه فيه وإنما يبتعد عنه ألا وإن لكل ملكٍ حمى وإن حمى الله محارمه "، ومن اقترب من الحمى أوشك أن يقع فيه.
وقال الحسن رحمه الله: ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام.
وقال الثوري: إنما سمّوا متقين لأنهم اتقوا ما لا يُتقى " ما لا يُتقى عادة أو ما لا يتقيه أكثر الناس ".
فالمتقون تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام فسمّاهم الله متقين، والمتقي أشد محاسبة لنفسه من محاسبة الشريك لشريكه، ولذلك يخلي جميع الذنوب ويتركها كما قال ابن المعتمر:
خلّ الذنـــــــــــوب صغيرها وكبيرها فهو التقـــــــــى
واصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر مايـــــــــــــرى
لا تحقرنّ صغيرة إن الجـــــــــــــــــــــــبال من الحصـى
لكن هنا مسألة مهمة وهي فائدة العلم في قضية التقوى، لابد أن تعرف أولاً ماهو الذي تتقيه..
1- أن تبين لك ما يجب عليك أن تتقي، تعلم أحكام الدين، تعلم الحلال والحرام..
2- وكذلك قد الإنسان من جهله يمتنع من حلال خالص ظناً منه أنه حرام، من الجهل ولا يكون في هذا ورع ولا تقوى ولكن حرمان نفس بدون فائدة..
#### قال بعضهم: " إذا كنت لا تحسن تتقي ؛ أكلت الربا، وإذا كنت لا تحسن تتقي؛ لقيتك امرأة ولم تغض بصرك، وإذا كنت لا تحسن تتقي ؛ وضعت سيفك على عاتقك "، أي تدخل في الفتن بالجهل، ودخل مسلمين كُثر عبر التاريخ الإسلامي في معارك بين المسلمين لو كان عندهم علم وفقه ما دخلوا فيها، مع أن بعضهم قد يتورع عن أشياء دقيقة جداً، لكن في الدماء لم يتورع للجهل.
مسألة الاستصغار التي تقع من كثر من الناس للذنوب ويراها سهلة وليست بشيء، كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار، (إياكم ومحقرات الذنوب)، النبي صلى الله عليه وسلم حذر منها وشبهها بالأعواد التي يجمعها المسافر أو النازل في مكان فيجمع الأعواد فيوقد ناراً فهذه أعواد ممكن أن توقد عليه نار جهنّم!
#### لا تحقرنّ من الذنوب صغــيرة
إن الصغير غداً يعودُ كبيرا
إن الصغير ولو تقادم عهـــده
عـــــن الإله مسطّراً تسطيرا
فازجر هواك عن البطالة لا تكن
صعب القيادِ وشمّرَنّ تشميرا
إن المحب إذا أحبّ إلـــــــــهه
طـــار الفؤاد وأُلهِم التفكيرَ
فاسأل هدايتك الإله فتتئــــــــد
فــــكفى بربك هادياً ونصيرا
والإمام أحمد رحمه الله يقول: " التقوى هي ترك ما تهوى لما تخشى " فتترك هواك لأن لك خشية من العذاب ويوم طويل، و قيل أيضاً في التقوى: " أن لا يراك حيث نهاك ولا يفتقدك حيث أمرك ".
وأما بالنسبة لمنزلة التقوى وشرف هذه المنزلة فإنه شيء عظيم ويكفي أن التقوى وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى: { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله }، قال القرطبي رحمه الله: الأمر بالتقوى كان عاماً لجميع الأمم، وقال بعض أهل العلم: هذه الآية هي رحى آي القرآن كله، لأن جميعه يدور عليها، فما من خير عاجل ولا آجل، ظاهر ولا باطن إلا وتقوى الله سبيل موصل إليه ووسيلة مبلّغة له، وما من شر عاجل ولا ظاهر ولا آجل ولا باطن إلا وتقوى الله عز وجل حرز متين وحصن حصين للسلامة منه والنجاة من ضرره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في حديث (اتقِ الله حيثما كنت): " ما أعلم وصية أنفع من وصية الله ورسوله لمن عقلها واتبعها قال تعالى: { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله }، ووصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً لما بعثه إلى اليمن فقال: يا معاذ اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن "..
وكان معاذ رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة عالية فإنه قال له: يا معاذ والله إني لأحبك، وإذا كان يحب معاذ فهل ستكون الوصية وصية عابرة؟، والإنسان يجتهد في وصية من يحب أكثر من اجتهاده في وصية من لا يحبه تلك المحبة، ومعاذ أقسم له النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحبه فكيف ستكون الوصية له؟، ستكون وصية عظيمة جداً، ولذلك قال له: يا معاذ.. اتقِ الله حيثما كنت..، وهو من كبار الصحابة وسادات القوم وأعلم الأمة بالحلال والحرام وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثق به جداً وأرسله لمناطق كثيرة ولليمن وولاّه وجعله قاضياً وحاكماً، و يحشر يوم القيامة أمام العلماء برتوة معاذ بن جبل، بعثه داعياً ومفتياً وحاكماً إلى أهل اليمن، وكان يُشبّه بإبراهيم عليه السلام لأن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقول:إن معاذاً كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يكن من المشركين..، وابن مسعود من قدامى المهاجرين ورأس في العلم و الزهد و يشهد لمعاذ بهذه الشهادة ومع ذلك يقول له صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن).
ما ذا نفهم من وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه بالتقوى مع أن معاذ بهذه المنزلة؟
أن المرء محتاج للتقوى ولو كان أعلم العلماء، وأتقى الأتقياء، يحتاج إلى التقوى لأن الإنسان تمر به حالات، ويضعف في حالات، يحتاج إلى التقوى للثبات عليها، يحتاج إلى التقوى للازدياد منها. اتق الله حيثما كنت، في السر والعلانية، أتبع السيئة الحسنة تمحها، لماذا بدأ بالسيئة؟، لأنها هي المقصودة الآن، عند التكفير الاهتمام يكون بالسيئة، لا لفضلها، ولكن لأنها المشكلة التي ينبغي حلّها. وخالق الناس بخلق حسن..، هناك أشياء بين العبد وخالقه وبينه والناس، هذه وصية جامعة. والكيّس لا يزال يأتي من الحسنات بما يمحو به السيئات، و ليس المقصود الآن هو فعل الحسنات، وإنما كيف تكفر السيئة، لذلك بدأ فيها، وإلا فقد دلّ على حسنات كثيرة في أحاديث أخرى ولم يذكر السيئة فيها، لأن المقصود تعليم الناس الحسنات، لكن هنا المقصود تعليم الناس كيفية تكفير السيئة.
الطبيب متى تناول المريض شيئاً مضر أمره بما يصلحه، وكأن الذنب للعبد حتمٌ ولذلك قال: (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها)، إذاً تحرص على التقوى وإذا حصل وأذنبت تعرف الطريق، اعمل الحسنات لتمحو ما ارتكبت من السيئات. فهذه الوصية لحقوق الله وحقوق عباده من النبي صلى الله عليه وسلم وهو كذلك صلى الله عليه وسلم أوصى أصحابه لما أحسوا بدنو أجله، وقال العرباض وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الغداء موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال رجل إنها موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا يارسول الله؟ قال: (أوصيكم بتقوى الله و السمع والطاعة..... الحديث..)، إذاً أول شيء بدأ به تقوى الله، و جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أوصني؟ قال: (أوصيك بتقوى الله فإنها رأس كل شيء) [أخرجه الإمام أحمد رحمه الله وحسنه الألباني رحمه الله]،وفي لفظٍ آخر(أوصيك بتقوى الله فإنها جماع كل خير).
وكذلك قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: (اعقل يا أبا ذر ما أقول لك بعد) ستة أيام، كل يوم يقول له ( اعقل يا أبا ذر ما أقول لك بعدُ) فلما كان اليوم السابع قال: (أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته) [رواه الإمام أحمد رحمه الله وهو في صحيح الجامع].
ولم يزل السلف الصالح يتواصون بها وكان أبو بكر يقول في خطبته: (أوصيكم بتقوى الله)، ولم حضرت الوفاة دعا بالوصية لعمر وقال: (اتقِ الله يا عمر)، وعمر كتب بها لابنه فقال: (أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله عزوجل)، واستعمل علي بن أبي طالب رضي الله عنه رجلاً على سرية فقال: (أوصيك بتقوى الله الذي لا بد لك من لقائه)، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل: (أوصيك بتقوى الله عزوجل التي لا يقبل غيرها ولا يرحم إلا أهلها ولا يثيب إلا عليها فإن الواعظين بها كثير والعاملين بها قليل، جعلنا الله وإياك من المتقين)، ولما ولّي خطب حمد الله وأثنى عليه وقال: (أوصيكم بتقوى الله عزوجل فإن تقوى الله عزوجل خلف من كل شيء وليس من تقوى الله خلف)، التقوى يمكن أن تعوّض أي شيء، لكن إذا فقدت لا يعوضها شيء.
وقال رجل ليونس بن عُبَيد أوصني قال: (أوصيك بتقوى الله والإحسان فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)، وكتب رجل من السلف إلى أخيه: (أوصيك وأنفسنا بالتقوى فإنها خير زاد الآخرة والأولى واجعلها إلى كل خير سبيلك ومن كل شر مهربك، فقد توكل الله عزوجل لأهلها بالنجاة مما يحذرون والرزق من حيث لا يحتسبون)، وكتب ابن السمّاك الواعظ إلى أخٍ له: (أما بعد أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيُّك في سريرتك، و رقيبك في علانيتك، فاجعل الله من بالك على كل حال، في ليلك ونهارك وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك، واعلم أنك ليس تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا من ملكه إلى ملك غيره، فليعظم منه حذرك، و ليكثر منه وجلك والسلام).
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يسألها في دعائه فيقول: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى)، وفي دعاء السفر يقول: (اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى).
والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى مسافراً فقال: (أوصيك بتقوى الله و التكبير على كل شرف)، إذاً فالتقوى في السفر بالذات لها طعم خاص، فالمسافر يغيّر مكانه وحاله، وقد يكون في بلاد الغربة لا يخشى مما يخشى منه في بلده وموطنه، ولا يخشى فضيحة لو عرف، لكن في بلده يخاف الفضيحة، لذلك كانت ملازمة التقوى في السفر مهمة جداً. و على كل حال الإنسان يسأل الله التقوى في السفر والحضر والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم آي نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكّاه أنت وليها ومولاها).
جميع الرسل الكرام كانوا يوصون بالتقوى { إذا قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون} { إذا قال لهم أخوهم هود ألا تتقون} { إذا قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون} { إذا قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون}، أصحاب الأيكة قال لهم شعيب { ألا تتقون}، موسى قيل له { ائت القوم الظالمين * قوم فرعون ألا يتقون}.
فهذه إذاً منزلة التقوى عرفناها من خلال الوصايا والإنذارات والدعوة التي أطلقها الرسل لأقوامهم.
1- التقوى خير لباس..، فالتقوى أجمل لباس يتزين به العبد { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يوراي سوءاتكم وريشاً}، منّ الله بهذا عليهم، والمنّة تقتضي الإباحة، إذا جاء الأمر في سياق الامتنان يفيد الإباحة، مثلاً { تأكلون منه لحماً طرياً وتستخرجون منه حلية تلبسونها}، ما دام ذكرها في مقام المنّة؛ أفاد الإباحة، لأنه لا يمتنّ على عباده بما حرّم عليهم وإنما يمتنّ عليهم بما أحلّ لهم فقال { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يوراي سوءاتكم وريشاً}، ولكن ذكرهم في ذات الوقت بما هو أهم، فقال في لباس معنوي غير اللباس الحسّي أنفس منه وأعلى { ولباس التقوى ذلك خير }، واللباس يستر العورات فهو اللباس الأصلي، والريش هو ما يُتجمَّل به، فلما أخبرهم بما يسترون به ظاهرهم ؛ نبّههم إلى ما يسترون به باطنهم، لما أرشدهم إلى ما يزينون به ظاهرهم؛ نبههم إلى ما يزينون به بواطنهم فقال: {ولباس التقوى ذلك خير}.
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً وإن كان كاسياً
وخير لباس المرء طاعة ربه
ولا خير فيمن كان لله عاصياً
لباس التقوى العمل الصالح، الحياء، السمت الحسن، العلم، لكن البعض فهم قال هذا لباس التقوى الخشن من الثياب..!، يلبس الإنسان ما وجد، نعم.. يتواضع في الملبس، ومن ترك اللباس تواضعاً لله؛ فإن الله سبحانه وتعالى يكافئه يوم القيامة بالحلل العظيمة وبالحور العين.
2- قوى خير زاد { وتزودوا فإن خير الزاد التقو ى واتقونِ يا أولي الألباب}، فلما أمرهم بالزاد للسفر..، انظر إلى محبة الله لخلقه وكرمه فإنه أمرهم بالتزود في السفر وهذه قضية دنيوية، ولكن يرشدهم إلى ما يستفيدون منه حتى في الدنيا، قال وتزودوا..، قد تهلك في الطريق وقد تمد يدك للناس وهذا شيء مكروه..،تزودا..فإن خير الزاد التقوى.. واتقونِ يا أولي الألباب، فلما أرشدهم إلى زاد الدنيا في السفر ؛ أرشدهم ونبههم إلى قضية زاد الآخرة فقال: { فإن خير الزاد التقوى}، فهذا زاد الآخرة اتقاء القبائح، والآية هذه لها سبب نزول وهي أن أهل اليمن كانوا لا يتزودون ويقولون نحن متوكلون ونحن نحج بيت الله أفلا يطعمنا فيكونون كلاًّ على الناس ويمدون أيديهم فنزلت فيهم وتزودوا فإن خير الزاد التقوى وخافوا عذاب الله يا أولي الألباب..
3- ثم إن أهل التقوى هم أولياء الله في الحقيقة { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون}، { والله ولي المتقين}، فالمتقون هم أصحاب الولاية حقاً، المجتهدون في فعل الطاعات والنوافل (ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه).ومن هنا يتبين كذب ودجل إدعاء من قالوا أنهم أولياء الصوفية وهم يرقصون ويضربون بالطبل في الموالد، ويتمايلون ويتساقطون ويزعمون الصرع، ويعاشرون المردان والنسوان كما تقل عنهم العلماء، هؤلاء هم مشايخ الصوفية، ويقولون نحن أولياء الله، ويستغاث بهم..!!،سجدوا خلف من يزعمون أنه ولي فأطال السجود في الصلاة ثم رفعوا رؤوسهم فإذا هو ساجد، ورفعوا رؤوسهم أخر ى فإذا هو كذلك، وبعد الصلاة قالوا خشينا عليك فأراهم كمّي ثوبه مبتلة بالماء قالوا أين كنت؟ قال: استنجد بي ناس في عرض البحر على وشك الغرق فأنجدتهم ثم عدت إلى صلاتي..!،فإذاً مسألة الأولياء هؤلاء قصة طويلة في عالم الخرافة والبدع ولذلك الله عز وجل جعل لنا فرقاناً نفرق به بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان..، فقال: { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون}، { إن أولياءه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون}.
4- وجعل الله عز وجل التقوى هي الميزان عنده في التفاضل بين الناس فقال عز وجل: { إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، وسُئِل النبي صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس؟من أرفعهم حسباً؟ فقال: الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، قالوا ليس عن هذا نسأل، بيّن لهم بعد ذلك فقال عندما سُئِل من أكرم الناس؟ قال: (أتقاهم لله) [رواه البخاري]، فالفضل والكرم إنما هو بتقوى الله لا بغيره من الانتساب للقبائل ولذلك كما قال الشاعر:
فقد رفع الإسلام سلمان فارسٍ وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب
وذُكِر أن سلمان رضي الله عنه كان يقول:
أبي الإسلام لا أبَ لي سواه
إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ
ومن شرف التقوى أن الله أمر بالتعاون من أجلها { وتعاونوا على البر والتقوى}، ومصالح العباد لا تتم إلا بها. وكذلك فإن التقوى منبع الفضائل فالرحمة والوفاء والصدق والعدل والورع والبذل والعطاء كلها من ثمرات شجرة التقوى إذا أينعت في قلب المؤمن وهي الأنس من الوحشة والمنجية من عذاب الله، دخل عليٌ رضي الله عنه المقبرة فقال يا أهل القبور ما الخبر عندكم، إن الخبر عندنا أن أموالكم قد قسمت وأن بيوتكم قد سكنت وأن زوجاتكم قد زوجّت، ثم بكى ثم قال: والله لو استطاعوا أن يجيبوا لقالوا إنا وجدنا أن خير الزاد التقوى.
علامات التقوى
1- إذا تخلّص من آفات الغفلة والاستخفاف بالمنكر من الأقوال والأفعال، والضيق بالمنكر إذا حصل، والتأذي منه إذا وقع، والفزع إلى الله طالباً الخلاص، هذا من صفات المتقين، إذا هو نفسه وقع في المعصية لا يمكن أن يستريح حتى يعود إلى الله طالباً الصفح والمغفرة مما ألمّ به والدليل على ذلك قوله عز وجل: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون}، فلا يمكن أن يجدوا أمناً ولا طمأنينة إلا بالخروج من تلك الحال وذلك بالاستغفار والتوبة إلى الله.
2- التقي دائماً يذكر ربه، لأن ذكر الله مطردة للشيطان والوسوسة، مطهرة لكل ما يدخل في الإنسان من رجس أو دنس من كلاب الشهوات أو الشبهات التي تغير على قلبه والله عز وجل قال: {إنما المؤمنون الذين إذا ذُكِر وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم }.
كيف تكون تقيّاً؟
1- أن تحب الله أكثر من أي شيء.
2- أن تستشعر مراقبة الله دائماً.
3- أن تعلم عاقبة المعاصي.
4- أن تتعلم كيف تقاوم هواك وتتغلب عليه.
5- أن تدرك مكائد الشيطان و وساوسه.
وهذه الأشياء سهلة بالقول وصعبة في التطبيق..، فبعض الناس يغفل وينسى مرافبة الله له،وينسى حديث (اعبد الله كأنك تراه)..
إذا ما خلوتَ الدهر يوماً فلا تقل*** خلوتُ ولكن قل عليّ رقيــــــــــبُ ولا تحسبنّ الله يغفل ساعــــــــــــة***ولا أنّ ما يخفى عليه يغيـــــــــــــبُ وأما مسألة معرفة مافي الحرام من المفاسد والآلام فإن الإنسان يكفي أن يتأمل فيما حصل للكبار، و ما حصل للأقوام السابقة، ما الذي أخرج الأبوين من الجنة؟ من دار النعيم واللذة والسرور إلى دار الآلام والأحزان..؟؛ المعصية..!..فالحرام يترتب عليه مفاسد ومصائب..
وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه ومسخ باطنه وظاهره فجعله في أقبح صورة وبدّله بالقرب بعداً وبالرحمة لعنة وبالجنّة ناراً تلظّى فهان على الله غاية الهوان وصار فاسقاً مجرماً قاد البشرية إلى كل فساد وشرّ؟؛ المعصية..!
ما الذي أغرق أهل الأرض جميعهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال..؟، ما الذي سلّط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم صرعى على سطح الأرض..؟،ما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطّعت قلوبهم في أجوافهم..؟، ما الذي رفع قرية سدود..قرية قوم لوط..حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها، وأتبعها بحجارة وجعل مكانها شيئاً منتناً لا يكاد يوجد فيه حياة..؟، وما الذي أرسل على قوم شعيب عذا ب الظُّلّة، لما صار فوق رؤوسهم أمطرهم ناراً تلظّى..؟، وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم تعرض عليها صباح مساء؟ فالأجساد للغرق والأرواح للحرق والموعد يوم القيامة..!
فتأمل مافي الذنوب من الآلام والمصائب ؛ يقود إلى التقوى ولو كان فيها لذّة..
تفنى اللذاذة ممن نال لذتهـــــــا*** من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء من مغبّتهــا***لاخير في لذة من بعدها النـــار وكذلك فالإنسان لابد أن يتعلم كيف يغالب هواه وابتداءً من معالجة الخواطر، أول ما تأتي الخاطرة بالمعصية أو بالشر يطردها، وهذا هو العلاج الناجع؛ أن الإنسان يدافع الهوى والخاطرة ويتغلّب عليها، ولا بأس أن يفطم نفسه عن المعاصي ولو كان ذلك شيئاً مكروهاً بالنسبة له، فالصبر على الحرام ليس سهلاً بل فيه ألم لكن يعقبه لذّة وراحة يوم الدنيا..
أنت في دار شتات فتأهّب لشتاتــــــــــك
واجعل الدنيا كيوم صمته عن شهواتك
واجعل الفطر عند الله في يوم وفاتـك * * *
لا خير فيمن لا يراقب ربه عند الهوى ويخافه إيــــــــــــــــــــــــماناً
حجب التقى سبل الهوى فأخو التقى يخشى إذا وافى المعاد هوانا
* * *
#### ما إن دعاني الهوى لفاحشةٍ
إلا نهاني الحياء والكرمُ
فلا على فاحش مددت يدي
ولا مشت بي لريبة قدمٌ
ولاشك أن هذا كما تقدم فيه غصّة في البداية لكن أحسن من الشوك والغسلين والضريع يوم القيامة والإنسان أحياناً يترك المعاصي شهامة ورجولة لو تأمل ما فيها من الخسّة..
وأغضّ طرفي إن بدت لي جارتي
حتى يواري جارتي مأواها
إذا كان هذا العربي قبل الإسلام يفاخر انه يغض طرفه عز وجلن جارته فبعد الإسلام كيف يجب أن نكون..؟، إذا كان الفرد يمكن أن يترك بعض المعاصي خجلاً من الناس.. فما باله إذا فكر من جهة الله..؟ سيكون الترك أعظم..!
ثم يجب على المرء أن يعرف مكائد إبليس لكي يتقيه وإبليس له عدة طرق في إغواء الناس فينبغي أن ينظر فيها، كيف يشغله مثلاً بالمفضول عن الفاضل وهذا أنزل المراتب وكيف يبدأ به من الشرك أولاً..!
صفات المتقين
1- ذكر الله من صفاتهم أنهم يؤمنون بالغيب إيماناً جازماً { هدىً للمتقين الذين يؤمنون بالغيب}.
2- يعفون ويصفحون { وأن تعفوا أقرب للتقوى}.
3- لا يقترفون الكبائر ولا يصرون على الصغائر، وإذا وقعوا في ذنب سارعوا إلى التوبة منه { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}سارعوا مباشرة إلى التوبة والإنابة إذا أصابتهم صغيرة.
4- يتحرون الصّدق في الأقوال والأعمال { والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون}، الذي جاء بالصدق هو محمد صلى الله عليه وسلم، والذي صدق به قيل هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه.{ أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون}، هذا بيان أن المتقي يصدق.
5- يعظمون شعائر الله { ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}، وما معنى تعظيم شعائر الله؟؛ أن المرء يعظم حرمات ربه فلا ينتهكها،ويعظّم أوامر الله فيأتي بها على وجهها، ويأتي بأنفس الأشياء، فلو طُلِب منه هدي في الحج أو أضحية استسمنه واستحسنه وأتى به على أحسن وأنفس وأغلى ما يجد، هذا من تعظيم شعائر الله. وكان إشعار الهدي وهو تعليمه بعلامة حتى لا يؤخذ أو إذا ضاع يُعرف هذا ما يفعله الحاج من السنة.
6- يتحرون العدل ويحكمون به { ولا يجرمنّكم شنآن قوم ٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}.الآية أساساً في المشركين والمشركون يبُكرَهون ويبغضُون لأجل شرك والكفر ومع ذلك أمرنا أن نعدل فيهم. وعلي بن أبي طالب لما اختصم مع يهودي، حكم عليه القاضي لما لم يأتِ ببينة، وسُلّمت الدرع لليهودي، فاندهش اليهودي كيف يُحكم له على أمير المؤمنين، و الدرع كان لعلي رضي الله عنه ولم تكن له بيّنة، قال شهودي الحسن والحسين، قال لا تجوز شهادة الأبناء للأب، قال سيّدا شباب أهل الجنة، قال هذا في الجنّة..، فمن دهشة اليهودي مما رأى قاليا أمير المؤمنين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، الدرع درعك، سقطت منك وأنت خارج إلى صفّين، فاختلستها. إذاً إذا رأى الكفار عدل المسلمين يمكن أن يسلموا.
7- المتقين يتبعون سبيل الأنبياء والصادقين والمصلحين يكونون معهم، { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}، فأهل الصدق هم أصحاب المتقين وإخوانهم ورفقاءهم وأهل جلوسهم وروّاد منتدياتهم.
8- يدع مالا بأس به حذراً مما به بأس لأجل حديث (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، تمام التقوى أن تتقي الله حتى تترك أحياناً ما ترى بعض الحلال خشية أن تكون حراماً، النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى تمرة فيريد أن يأكلها فيتركها لأنه يخشى أن تكون سقطت من تمر الصدقة. والورع يجب أن يكون ورعاً صحيحاً، فبعض الناس يفعلون الكبائر ثم يتورعون عن الأشياء اليسيرة..!. " عجبتُ لكم يا أهل العراق تقتلون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تسألون عن دم البعوض "..!!!، فلذلك ينبغي أن يكون الورع على أساس، امرئ ترك المحرمات ثم هو آخذ في الإعراض عن المشتبهات، ولذلك لما سُئِل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل يشتري البقل ويشترط الخوصة أنه يخشى أن تكون هذه التي تربط بها حزمة البقل غير داخلة في البيع فيشترط على البائع ذلك..،قال: ما هذه المسائل..؟!!!، قالوا:فلان يفعل ذلك..إبراهيم بن أبي نعيم..قال: هذا نعما..هذا رجل يليق بحاله.. رجل متقي جداً. وهو الذي سُئِل رحمه الله عن رجل له زوجة وأمه تأمره بطلاقها فقال: (إن كان برّ أمه في كل شيء حتى لم يبقَ إلا طلاق زوجته؛ يفعل، ولكن إن كان يبرها بطلاق زوجته ثم يقوم إلى أمه بعد ذلك فيضربها فلا يفعل..!).
ثمرات وفوائد التقوى
1- أنها المخرج من كل ضيق ومصدر للرزق من حيث لا يحتسب المتقي، لأن الله وعد و وعد الله لا يتخلف فقال تعالى: { ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب}. وهذه مهمة جداً في شحّ الوظائف. وحتى يأتيك البديل المباح بعد تركك للعمل المحرّم ينبغي أن تتقي الله في جميع أمورك.
2- تسهيل الأمور، وأن ييسر الله له الأسباب {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا}.
3- ومن أهم ما يُكافأ به المتقي أنه يُعطى العلم النافع من جرّاء التقوى { واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم}، فيعلمكم الحلال والحرام ومصالحكم وحفظ أموالكم وما أمركم وما نهاكم عنه ويعلمكم كل ما تحتاجون إليه، ومن أسباب نقصان العلم و نقص الحفظ وذهاب المسائل وعدم انفتاح النفس للعلم وعدم الحماسة للعلم؛ المعاصي فهي تصد النفس عن العلم. ومن أسباب تحصيل العلم وانفتاح الذهن والقلب والحماس له؛ التقوى.
4- البصيرة من أعظم ما يرزق به المتقي، فتكون له بصيرة و فرقان يفرّق به بين الحق والباطل وأن يكون له نور من ربّه يضيء دربه فيحذر الشر ويرجو الخير ويوفَّق { إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا}، الفرقان في اللغة الذي يفرّق بين الليل والنهار، كالصبح يفرق بين الحق والباطل.
5- محبة الله والملائكة للعبد، ومحبة الناس لهذا العبد، { بلى من اوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين}، وإذا أحبه نادى جبريل أن يحبه، ويحبه أهل السماء ثم يحبه أهل الأرض،{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} أي مودة منه ومن الملائكة وفي قلوب العباد.
6- نصرة الله للمتقي وتأييده له وتسديده { واتقوا الله إن الله مع المتقين}، والمعيّة هذه معية نصرة وتأييد وتسديد، وهو سبحانه وتعالى أعطاها للأنبياء المتقين فقال لموسى وهارون { لا تخافا إني معكما أسمع وأرى}، {قال كلا إن معي ربي سيهدين} فهو معه فلا يخاف.
7- يرزق بركات من السموات والأرض، والبركة تكثير القليل، الكثرة، الزيادة، الخير، العافية، {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض}، وهذا معناه أنه وسّع عليهم في الخير ويسّره لهم بسبب التقوى {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً }، وكذلك إذا لم تحصل التقوى ؛ يظهر الفساد في الأرض{ظهر الفساد في البر والبحر} ويحصل التلوث والأمراض والسرطانات { ليذيقهم بعض الذي عملوا جزاءً ونكالا}، وتُنزع البركة بالمعصية.
8- البشرى..سواء كانت ثناء من الخلق، أو رؤيا صالحة، من الملائكة عند الموت، {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون أولئك لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة}.ذهبت النبوة وبقيت المبشرات، فإن أثنى الناس عليه لعمل ما قصد إظهاره فإن هذا من عاجل بشرى المؤمن.
9- الحفظ من كيد الأعداء، فإن الإنسان لا يخلو من عدو حاسد { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً}فيدفع الله عنه شر الأشرار وكيد الفجار باستعمال التقوى.
10- { وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً}، فأرشد الله الآباء الذين يخشون ترك ذرية ضعاف بالتقوى في سائر شؤونهم لكي يحفظ أبناءهم، ويغاثون بالرعاية الإلهية بل يحفظ فروع الفروع..!، { وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما} ولكن هناك أمر مهم وهو {وكان أبوهما صالحا} فحفظ الله الأبناء بصلاح ذلك الأب..، يقول محمد بن المنكدر: إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد و لده وقريته التي هو فيها والدويرات التي حولها فما يزالون في حفظ الله وستره..، قال ابن المسيب: يا بني إني لأزيد في صلاتي من أجلك رجاء أن أُحفَظ فيك وتلا الآية {وكان أبوهما صالحا}،طبعاً هو يصلي لله، وابن المسيب افقه من أن يرجو على عمله فقط ثواباً دنيوياً ولكنه يرجو تبعاً للثواب الأخروي أمراً في الدنيا والله تعالى كريم يعطي أموراً في الدنيا والآخرة على العبادات.
11- التقوى سبب قبول العمل وهذا من أعظم الأشياء { إنما يتقبل الله من المتقين} أجاب بها الأخ الصالح أخاه الفاجر الذي قتله. وكان بعض السلف يقول: لو أعلم أن الله تقبّل مني سجدة واحدة لتمنّيت الموت لأن الله يقول { إنما يتقبل الله من المتقين}.
12- التقوى سبب للنجاة من عذاب الدنيا { ونجّينا الذين آمنوا وكانوا يتّقون}.
13- التقوى يُجعل للإنسان بها حلاوة وشرف وهيبة بين الخلق لأن الإنسان يحب أن تكون له مكانة بين الناس
ألا إنما التقوى هي العز والكــــــــــــــرم
وحبك للدنيا هو الذل والسقــــــــــــــم
وليس على عبدٍ تقي نقيصــــــــــــــــــــــة
إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم
14- التقوى توصل إلى مرضاة الرب عز وجل وتكفير السيئات والنجاة من النار والفوز بالجنة وهذا هو قمة المطلوب وأعلى مراد المسلم أن الله عزوجل يدخله الجنة{ ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم }{ ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا}، والنجاة من النار{ ثم ننجي الذين اتقوا}، والعز والفوقية فوق الخلق يوم القيامة غير عز الدنيا { زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة}، فيورثون الجنة بالتقوى كما قال الله عز وجل: { وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً}، وهؤلاء المتقين لا يذهبون إلى الجنة مشياً وإنما يذهبون ركباناً موقرين مكرمين لأن الله قال: {وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد}وقال: { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً}، والوفد يكرم يذهب بهم إلى ملك الملوك سبحانه وتعالى، فيدخلهم جنته{ إن للمتقين مفازا}، يدخلهم الأنهار{ إن المتقين في جنات ونهر}.
والدار الآخرة للمتقين يوم القيامة، ويجمع الإنسان بأحبابه إذا اتقى ربه { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين}، وهؤلاء على سرر متقابلين كما قال الله { إن المتقين في جنات وعيون، ادخلوها بسلام آمنين،ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخواناً على سرر متقابلين} فيأتون إلى الجنة زمراً زمراً، مجموعات ووفود إلى الله تعالى مكرمين{ وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا}.
نسأل الله أن يجعلنا من أهل التقوى،والنهاية لا بد أن تأتي بمفارقة هذه الحياة..
عش ما بدى لك سالماً في ظل شاهقة القصـــور
يُسعى عليك بما اشتهيت لدى الرواح وفي البكــور
مختارات