" الكذب – البغي - قطيعة الرحم "
" الكذب – البغي - قطيعة الرحم "
الكذب: وله عقوبات معجَّلة عامة وخاصة:
الأولى: وهي أنه يهدي إلى الفجور ويسوق صاحبه إليه، فهو من أعظم أسباب الغواية والضلال؛ فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يُكتب عند الله صديقًا وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذابًا» (رواه البخاري ومسلم).
الثانية: وهي الريبة والقلق والاضطراب وعدم الطمأنينة التي هي أساس السعادة؛ فعن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؛ فإن الصدقَ طمأنينة والكذب ريبة» (رواه الترمذي وصححه).
الثالثة: وهي عقوبة غير معينة من الله جل وعلا؛ فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنب أجدر أن يجعل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخره له في الآخرة، من قطيعة الرحم والخيانة والكذب، وإن أعجلَ الطاعة ثوابًا لَصلةُ الرَّحم؛ حتى أن أهل البيت ليكونون فجرة، فتنمو أموالهم ويكثر عددهم إذا تواصلوا» (رواه الطبراني في الكبير وصححه الألباني في صحيح الجامع).
قال مالك بن دينار: «الصدق والكذب يعتركان في القلب حتى يُخرج أحدهما صاحبه».
ومن أخطر صور الكذب التي يعجِّل الله عليها العقاب ويدع الديار بها خاوية قاعًا صفصفًا اليمين الغموس؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس شيء أطيع الله تعالى فيه أعجل ثوابًا من صلة الرحم وليس شيء أعجل عقابًا من البغي وقطيعة الرحم واليمين الفاجرة تدع الدِّيار بلاقع»(رواه البيهقي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة).
فليحذر المسلم من هذه الخصلة الذميمة والتي هي من صفة أغلب التجار الذين لا يكذبون في تجاراتهم فقط؛ وإنما يتعدون ذلك إلى القسم الفاجرة الغموس، ويغلظون في ذلك طمعًا في مال سيفنى وشرف سيزول ويبلى! وقد حذَّر من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «التجار هم الفجار». قيل: يا رسول الله، أليس أحل الله البيع؟! قال: «بلى؛ ولكنهم يحدثون فيكذبون ويقسمون فيحنثون».
البغي: فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق» (رواه الحاكم في المستدرك وهو في السلسلة الصحيحة).
قال بعض الحكماء: أعجل الأمور عقوبة وأسرعها لصاحبه سرعة ظلم من لا ناصر له إلا الله، ومجاورة النعم بالتقصير، واستطالة الغني على الفقير.
ورغم أن الله - جل وعلا - أوعد الظالم الباغي بتعجيل عقوبته وجزائه في الدنيا فقد جعل للمظلوم دعوةً مستجابةً ليس بينها وبينه حجاب فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرًا فإنه ليس دونها حجاب» (رواه أحمد وغيره وهو في صحيح الجامع).
وإليك - أخي الكريم - قصة شاهدة على ذلك: فقد روى البخاري أن أهل الكوفة شَكَوْا سعد بن أبي وقاص إلى عمر - رضي الله عنهما - فعزله واستعمل عليهم عمَّارًا، فشكوا سعدًا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق، إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي. قال سعد: أما أنا فوالله إني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين وأخف في الأخريين، قال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق. فأرسل معه رجلاً أو رجالاً إلى الكوفة، فسأل عنه أهل الكوفة ولم يدع مسجدًا إلا سأل عنه ويثنون معروفًا، حتى دخل مسجدًا لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له " أسامة بن قتادة " يُكَنَّى أبا سعدة قال: أما إذا نشدتنا فإن سعدًا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية، قال سعد: وأنا والله لأدعونَّ بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا قام رياء وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن، وكان الرجل إذا سئل بعد يقول: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد!!
قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطريق يغمزهن (رواه البخاري).
قطيعة الرحم: وقد سبق في الحديث: «ما من ذنب أجدر أن يُعَجِّلَ الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يَدَّخرُه في الآخرة من قطيعة الرحم والخيانة والكذب» فقطيعة الرحم عقوبتها معجَّلة، ولا بد؛ سواء كان الذي ارتكبها صالحًا أم فاسقًا؛ فمغبَّتُها محتضرة معجَّلة لا تزول إلا بالتوبة إلى الله سبحانه، وتوطين النفس على صلة الرحم كما أمر الله سبحانه؛ بل صَحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «من قطع رحمه لقي وباله قبل أن يموت» وفي ذلك نصٌّ صريح على أن قاطعَ الرحم يلقى جزاءه في الدنيا ولا بد !
ومن بين العقوبات النفسية التي يعاقب الله بها القاطع للرحم أن ينصر عليه من وصله، وأن يظهره عليه ثوابًا للواصل وعذابًا على القاطع؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله، إني لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيؤون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فقال: «لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك» (رواه مسلم).
مختارات