" الحفـيظ "
" الحفـيظ "
الذي حفظ ما خلقه، وحفظ أولياءه من وقوعهم في الذنوب والمهالك، وأحصى على العباد أعمالهم وجازاهم عليها بفضله وعدله، والحفظ بمعنى: الجمع والوعي، وقد تكون بمعنى الأمانة.
أثر الإيمان بالاسم:
- الله وحده الحفيظ على خلقه، لا يشركه في ذلك أحدًا ولا حتى رسله؛ كما قال تعالى على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم ولسان شعيب - عليه السلام: " وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ " [الأنعام: 104] وقوله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم: " فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا " [النساء: 80].
- من حفظ الله تعالى لعباده أن يحفظ أعمالهم ويوفيهم حسابها إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، وقد وكل الله بالعباد ملائكة يعلمون ويكتبون ما يفعلون؛ " وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ " [الانفطار: 10، 11] فهذا المعنى من حفظه يقتضي إحاطة علم الله بأحوال العباد كلها ظاهرها وباطنها، وكتابتها في اللوح المحفوظ وفي الصحف التي في أيدي الملائكة وعلمه بمقاديرها ثم مجازاته عليها: " مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا " [الكهف 49].
- تكفَّل الله بحفظ كتابه العزيز من التحريف والتغيير على مر العصور: " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " [الحجر: 9] وها نحن بعد 14 قرن وبعد فتن سوداء وبدع محدثة عجز الجميع أن ينالوا من وعد الله الحفيظ بحفظ القرآن؛ فلم يغيروا حرفا واحدا في القرآن.
- وحفظ الكعبة وهي من آياته العظيمة؛ بيت من حجارة في واد غير ذي زرع حفظها الله من الزَّوال لتبقى شاهدًا على قدرة الله وحفظه، وحفظ السماوات والأرض وما فيهما؛ " وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا " يحفظهما بلا مشقَّة ولا كلفة، ودون أدنى تعب ولا نصب.
- ويحفظ السماءَ أن تقع على الأرض؛ " وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ".
- الله وحده من يحفظ الإنسان من الشرور والآفات والمهالك " إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ " [الطارق: 4] يحفظ عبده من المهالك والمعاطب، ويقيه مصارع السوء؛ " لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ " [الرعد: 11]؛ أي بأمر الله.
- ويحفظ العبد من عذابه وعقابه إن هو حفظ حدود الله؛ " وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ " [التوبة: 112] فبتقوى الله يُحفظ الإنسان " فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ " [النساء: 34].
- من حفظ الله في الدنيا حفظه الله من عذابه في الآخرة؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس: «يَا غُلاَمُ إني أُعَلَّمُكَ كَلمَات احْفَظ اللهَ يَحْفَظْكَ احفَظ اللهَ تَجدْهُ تُجاهك» (الترمذي) أي احفظ أوامره بالامتثال ونواهيه بالاجتناب وحدوده بعدم تعدِّيها يحفظك في نفسك ودينك ومالك وولدك، وفي جميع ما آتاك الله من فضله.
- وعد الله عباده الحافظين لحدوده وعدًا يرونه في الآخرة رؤى العين ماثلاً أمامهم؛ " هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ " [ق: 32] والوعدُ هو ما ذكر في الآية السابقة لها، " وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ " [ق: 31] ثم بعد الرؤية يقول - عز من قائل: " ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ " [ق: 34، 35].
- علَّم الرسول صلى الله عليه وسلم أمته طلبَ حفظ الله بهذا الدعاء: «.. اللهمَّ احْفَظني منْ بَيْن يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفي وَعَنْ يَميني وَعَنْ شِمَالي وَمِنْ فوقي..» (أبو داود ).
- الصلاة من أعظم ما أُمر به العبد من واجبات، ولم يرد في القرآن أمر إلهي (حافظوا) سوى في هذه الآية؛ " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " [البقرة: 238] فمن صفات المؤمنين: " وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ " [المعارج: 34] وسرُّ ذلك أنَّ الصلاةَ صلةٌ بالله، وعلى قدر صلة العبد بربِّه يُفتح عليه الخير ويُغلق عنه الشر؛ فالصلاة لها تأثير عجيب في صحة البدن والقلب وفي حفظ صاحبها؛ كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث قدسي عن الله عز وجل: «ابنَ آدمَ اركعْ لي مِنْ أَوَّل النَّهَار أَرْبَعَ رَكَعَات أَكْفكَ آخره» ( الترمذى وأبو داود) وجاء أمر ثان من الله تعالى لعباده بحفظ اليمين: " وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ " [المائدة: 89] بعدم التساهل في الحلف والقسم؛ فحفظ اليمين دليل إيمان العبد.
- وأمر الله – تعالى - عبادَه في صيغة ثالثة من أوامر الحفظ بحفظ أجسادهم من الوقوع في الزنا: " قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ " [النور: 30] وقد مدح – تعالى - مَنْ فعل ذلك ووصفهم بالفلاح في أول سورة المؤمنون: " قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ " ثم عَدَّدَ صفات أهل الفوز والفلاح حتى قال تعالى: " وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ " [المؤمنون: 5].
- وممن مدحهم الله تعالى بالحفظ والمحافظة وهو يبشرهم بالفوز العظيم: " وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ " [التوبة: 112].
مختارات