" الوكيـل "
" الوكيـل "
الموكَّل والمفوَّض إليه الكفيل بأرزاق العباد، ويحتوي اسمُ الوكيل على ثلاثة معان: الكفيل، الكافي، الحفيظ.
والوكيل هو: المسندُ إليه القيام بأمر ما، وتوكَّل على الله: استسلم له وفَوَّضَ أمرَه إليه.
التَّوَكُّل: إظهار العجز والاعتماد على الغير.
والتَّوَكُّل على الله هو: التَّسليم لأمره وقضائه.
أثر الإيمان بالاسم:
- دعا محمد صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم حين قيل له أن قريشًا يجتمعون عليه، ودعا به إبراهيم - عليه السلام - حين ألقي في النار؛ " حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " [آل عمران: 173] فنجَّاه الله وكفاه همَّه وحظي بالوقاية والسَّلامة والرِّبح والرزق والنعمة ورضا الله؛ " فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ " [آل عمران: 174].
- حَضَّ الله على التَّوَكُّل عليه، حدَّ أنَّه شرطُ الإيمان بالتَّوَكُّل؛ " وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " [المائدة: 23] فمن لا تَوَكُّل له لا إيمان له، والتَّوَكُّلُ يزيد بزيادة الإيمان ويَنْقص بنقصانه.
- ثم أبدى – تعالى - محبَّته للمتوكِّلين عليه؛ " فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " [آل عمران: 159].
- وزاد على محبَّته الأجرَ العظيمَ والمكافأةَ المجزيةَ؛ " فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " [الشورى: 36].
- وجعل – تعالى - التَّوَكُّلَ وقايةً وحمايةً من تَسَلُّط الشيطان عليه؛ " إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " [النحل: 99].
- من صَدَقَ توكُّلُه على الله في حصول شيء ناله، وقد شرح الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه هذه الحقيقة عن أثر التَّوَكُّل الحقيقيّ: «لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوكَّلُونَ عَلى الله حقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا»(الترمذي وابن ماجه ) خماصًا: جياع، بطانًا: عظيم البطن؛ أي شباعى.
- وفي موضع آخر ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم لهم مثلًا تطبيقيًّا عن أثر التَّوَكُّل وفوائده الجليَّة: «إذا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْته فَقَالَ بِسْم الله تَوَكَّلْتُ عَلى الله لا حَوْلَ وَلا قُوة إلا بالله» قال: «يُقالُ حينئذ: هُديتَ وكفيتَ ووقيتَ. فتتنحَّى له الشياطينُ فيقولُ له شيطانٌ آخرُ: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي» (أبو داود والترمذي).
- أخبر تعالى أنَّ كفايتَه لعباده مقرونةٌ بتوكُّلهم عليه؛ " وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ " [الطلاق: 3].
- التَّوَكُّل من أعمِّ المقامات تعلُّقًا بالأسماء الحسنى.
- للتَّوَكُّل درجات ذكرها ابن القيم في مدارج السَّالكين نوردها بتصرف:
1- معرفة بالرَّبِّ وصفاته: قراءتك لهذا الكتاب أو غيره من كتب تشرح أسماء الله الحسنى هي أول درجات التَّوَكُّل؛ فمعرفتُك بأسماء الله وصفاته تعني أن تعرف من تتوكَّل عليه، وكيف تتوكَّل عليه حقَّ تَوَكُّله.
2- إثبات في الأسباب والمسبِّبات؛ فالتَّوَكُّلُ كالدُّعاء الذي جعله الله سببًا في حصول المدعوِّ به، فإذا لم يأت بالسَّبب امتنع المسبب، والتَّوَكُّلُ من أعظم الأسباب التي يَحصل بها المطلوب ويندفع بها المكروه.
3- رسوخ القلب في مقام توحيد التَّوَكُّل: فإنَّ العبدَ متى التفت إلى غير الله أخذ ذلك الالتفات شعبة من شعب قلبه فنقص من توكُّله على الله بقدر ذهاب تلك الشعبة؛ فمن يلجأ لساحر لجلب محبَّة زوج أو رزق أو غيره لا يعرف حقًّا معنى اسم الوكيل، وهو يتَّكل على غير الله، وقد حرَّم – تعالى - على عباده التَّوَكُّل على غيره واتِّخاذ غيره وليًّا أو معبودًا يفوِّضون إليه أمورهم؛ " أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا " [الإسراء: 2]؛ فهو وحده حسبهم ونعم الوكيل؛ حتى نفس الإنسان لا يستطيع الاتِّكال والاعتماد عليها متوهِّمًا في نفسه القدرة أو القوة؛ فقد كان من دعاء أكرم الخلق صلى الله عليه وسلم: «اللهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلاَ تَكلني إلى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْن»(أبو داود وحسنه الألباني ).
4- اعتمادُ القلب على الله واستنادُه إليه وسكونُه يُحَصِّنُه من الخوف من الدُّنيا أو رجائها؛ فحالُه في الخوف حال مَنْ خرج عليه عدوٌّ عظيمٌ لا طاقةَ له به، فرأى حصنًا مفتوحًا فأدخله ربّه إليه وأغلق عليه بابه، فبقي يشاهد عدوَّه خارج الحصن؛ فاضطراب قلبه وخوفه من عدوه في هذه الحال لا معنى له، وحاله في الرجاء حال من أعطاه ملكٌ درهمًا فسُرق منه، فقال له الملك: «عندي أضعافه فلا تهتم متى جئت إليَّ أعطيتُك من خزائني أضعافَه» فإذا علم صحَّةَ قول الملك ووَثَقَ به واطْمَأَنَّ إليه وعلم أنَّ خزائنَه مليئةٌ بذلك لم يحزنه فوتُه.
5- حُسْنُ الظَّنِّ بالله: على قدر حسن ظنك بربك ورجائك له يكون توكُّلُك عليه، ولذلك فَسَّرَ بعضهم التَّوَكُّلَ بحسن الظَّنِّ بالله؛ إذ لا يتصوَّر التَّوَكُّل على من ساء ظنُّك به، ولا التَّوَكُّل على مَنْ لا ترجوه.
6- استسلام القلب لله تعالى: الاستسلام لتدبير الرَّبِّ كتسليم العبد الذليل نفسه لسيِّده وانقياده له وترك منازعات نفسه وإرادتها مع سيده تعالى.
7- التفويض: وهو روح التَّوَكُّل ولُبُّه وحقيقته؛ وهو إلقاء أموره كلِّها إلى الله وإنزالها به طلبًا واختيارًا لا كرهًا واضطرارًا؛ " أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ " [غافر: 44] وهو كتفويض الابن العاجز الضَّعيف المغلوب على أمره كلَّ أموره إلى أبيه المتولِّي كفايتَه وحسنَ ولايته، وإذا وضع قدمَه في درجة التَّفويض انتقل منها إلى درجة الرِّضا.
8- الرضا هو ثمرةُ التَّوَكُّل وأعظم فوائده؛ فالمقدور يكتنفه أمران: التَّوَكُّل قبله، والرضا بعده؛ فمَن تَوَكَّلَ على الله قبل الفعل ورضي بالمقضيِّ له بعد الفعل؛ فقد قام بالعبودية؛ وهذا معنى قول بشر الحافي: «يقول أحدهم: توكَّلت على الله، يكذب على الله؛ لو توكل على الله لرضي بما يفعله الله به».
- باستكمال هذه الدَّرَجات الثَّمان يَستكمل العبدُ مقامَ التَّوَكُّل، وتثبت قدمه فيه؛ فلا يَشتبه لديه التَّفويض بالإضاعة ولا التَّوكُّل بالراحة، ولا اشتباه الثقة بالله بالغرور والعجز، وهذه الأخيرة الفرق بينهما أنَّ الواثقَ بالله قد فعل ما أمره الله به ووثق بالله في طلوع ثمرته كغارس الشجرة، والمغترُّ العاجز فرط فيما أُمر به وزعم أنَّه واثقٌ بالله، والثِّقةُ إنَّما تصحُّ بعد بذل المجهود.
والأمر هنا لا يُفَسَّرُ بالتَّواكل الشَّديد دون عزمة وعمل، كما ورد عن جماعة من اليمن يحجون ولا يتزودون بالطعام، ويقولون: «نحن المتوكِّلون» وهم يتسوَّلون طعامهم من الناس، فأنزل الله تعالى: " وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى " [البقرة: 197]؛ أي تزوَّدوا ما يكفُّ وجوهكم عن الناس ويقيكم ذلَّ سؤالهم.
مختارات