الشاكر الحميد
اسـم الله الشـاكـر
ورد اسم الله تعالى الشاكر في القرآن في موضعين:
الأول: في سورة البقرة في قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 158]
الثاني: في سورة النساء في قوله تعالى: (مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً) [النساء: 147]
معنى الاسم في اللغة:
قالوا: الشاكر اسم فاعل للموصوف بالشكر، فعله: شكر- يشكر- شكرا. و قد تقدم أن الشكر هو الثناء على الفعل الجليل و مجازاة الإحسان بالإحسان.
روى الإمام أحمد و صححه الألباني من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب دخل على النبي صلى الله عليه و سلم و قال: <يا رسولَ اللهِ رأَيْتُ فلانًا يشكُرُ، ذكَر أنَّك أعطَيْتَه دينارينِ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( لكنَّ فلانًا قد أعطَيْتُه ما بينَ العشَرةِ إلى المئةِ فما يشكُرُه ولا يقولُهُ، إنَّ أحدَكم ليخرُجُ مِن عندي بحاجتِه مُتأبِّطَها وما هي إلَّا النَّارُ) قال: قُلْتُ يا رسولَ اللهِ لم تعطهم؟ قال: (يأبَوْنَ إلَّا أنْ يسأَلوني ويأبى اللهُ لي البخلَ>
ومحل الشاهد هنا: هو قول عمر للنبي (رأيت فلانا يشكر) يعني أنه يثني على النبي وعلى فعله الجميل.
وهذا حديث عظيم يتناول قضية اجتماعية صارت تمثل مشكلة حقيقية للمجتمع؛ وهي قضية المتسولين. فانظروا إلى فعل النبي صلى الله عليه و سلم و انظروا إلى الحكم الفقهي الذي أشار به إلينا رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث.
(إن أحدهم لأعطيه المسألة و ليس له حاجة فيخرج متأبطها و ما هي له إلا نار) دليل على أن من يسأل و ليس له حاجة فكأنه أخذ جذوة من النار. لأنه بذلك يحرم من له حاجة حقيقة، فالناس يأخذون هذا بذنب ذاك ويمتنعون عن العطاء بسببهم. ولكن وجود هذه الفئة من المتسولين كذبا لا ينبغي أن يمنعك عن التصدق عليهم حتى تنفي عن نفسك الشح. ففي الحديث المذكور قال عمر: (يا رسول الله فلم تعطيهم) فكانت الإجابة إنهم يأبون إلا أن يسألوني و يأبى الله لي البخل. فالنبي يعطيهم حتى لا يقع في البخل. إلا إذا كان شخصا معروفا بتسوله الكاذب
فإذا سألك سائل فأعطيه إلا أن يتبين لك كذبه، وإن لم تفعل فلا تغلظ معه في القول امتثالا لقوله تعالى (وأما السائل فلا تنهر )
الفرق بين الشاكر والشكور:
قالوا الشكور أبلغ من الشاكر، لأن الشكور صيغة مبالغة يعني كثير الشكر، فهو المبالغ في الشكر بالقلب و اللسان و الجوارح.
قال المناوي في التوقيف: ( الشكور هو الباذل وسعه في أداء الشكر بقلبه و لسانه و جوارحه اعتقادا و اعترافا)
و قيل الشاكر من يشكر على الرخاء والشكور من يشكر على البلاء.
و قيل الشاكر من يشكر على العطاء و الشكور من يشكر على المنع.
و كان رسول الله إذا سره أمر حمد الله جلا و علا فإذا أصابه بلاء حمد و قال: فليقل الحمد لله على كل حال. فنحمد في البلاء لأن البلاء في طياته رحمة لأنه و لا شك أن الله سبحانه و تعالى ابتلاه لكي يوقظه من غفلته فيقول: اللهم لك الحمد.
ونأتي لهذا المعنى في حق الله جل و علا:
قالوا فالله شاكر عباده على أعمالهم فيزيدهم من فضله في الأجر فيزيد أجورهم و يقابل شكرهم بزيادة النعم و هذا يعني أن الله من أطاعه حال الرخاء كان الله له شاكرا و من أطاعه و لم يتعد حدوده حال البلاء و لم يتسخط على قدر ربه كان الله له شكورا.
ولنتأمل هذا المعنى في ضوء الأيات:
*الموضع الأول: يقول الله جل وعلا:
(مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً) [النساء: 147]
أي إن شكرتم حال الرخاء وحال العطاء وآمنتم و استشعرتم بمدى فضل الله فلم يعذبكم؟!!
فالجزء الأول من هذه الآيةيقطع على كل صاحب شبهة شبهته: فالذي لا يعجبه قضاء الله عليه وتدبيره له ويتسخط على حاله وبيئته ورزقه، وإن وفق نسب التوفيق والنجاح لإمكانياته ومهاراته.
فكأنها تقول له: يا أيها المتسخط يا أيها الجاحد الظلوم لنفسك الكافر بأنعم ربك ما يفعل الله بعذابكم؟ خلقك من أجل أن يعذبك؟ ماذا سيفعل بعذابك؟
سبحانه مُنــــزّه عن مثل ذلك..!
لكن الذي يترك نفسه لوساوس الشياطين، وتسويل النفس الأمارة يقع في مثل هذا ويتصور أن ربنا لا يريده ويريد له الشر وأنه كتب عليه هذه الأمور ويرى الأمر بسوء الظن بالله، فيقول الله لهم: ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ؟
ليس المطلوب منك أكثر من ذلك، فقط اشعر بالنعمة واشكرها ليكون هذا الشكر هو مفتاح قربك من الله.
(وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً) وكان الله شاكرا لمن يشكره على نعمائه له، عليما بالطائع من العاصي.
وذكره سبحانه لاسمه العليم يشير إلى أمرين: (الباطن والظاهر)
فإذا كان الباطن خرب فهذا يعني أنه لا يستقبل النعمة بشكل صحيح فتنزل عليه ولا تؤثر فيه فلا يشكرها.. و لهذا في هذه الآية لافتة لأهمية القلوب.. لأن الشكر بالقلب واللسان والجوارح ولكن أهم ما في الأمر الاعتراف والتصديق الباطن. أهم ما في ذلك القلب لأن به سوف ينتج عنه أن اللسان يثني والجوارح تشرع في تصريف النعم في مرضاة الله عز وجل.
قال البيضاوي رحمه الله: (مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ) أيتشفى به غيظا أو يدفع به ضررا أو يستجلب به نفعا !!. فهو الغني المتعالي عن النفع والضر و إنما يعاقب المصر بكفره.
(وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً) مثيبا يقبل اليسير ويعطي الجزيل. (عَلِيماً)بحق شكركم وإيمانكم.
الموضع الثاني: يقول الله عز وجل:
(إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 158]
و أيضا قرن في هذا الموضع بين اسمه تعالى الشاكر واسمه العليم.
فأولا: على نفس القول بالفرق بين اسمه الشكور واسمه الشاكر فالموضع هنا يتناسب مع اسمه الشاكر. لأن هذا المقام في حال العطاء والرخاء. ومعنى أنه ذيل الآية باسمه الشاكر فهذا دليل على خصوصية الاصطفاء لمن حج البيت أو اعتمر؛ أن يصطفي لك بيته و يمن عليك بأداء هذا النسك فإنها لمنة عظيمة.
فالله يقول في هذه الآية: (وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً) أي من يتابع بين الحج والحج والعمرة والعمرة ويكثر من الطواف (فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ).
وهنا (فإن) على التوكيد، وقد ذهب أهل البلاغة أن التوكيد يكون على ثلاثة أنواع:
P إما أن يكون تأكيدا خفيفا.
P أو يزيد في التوكيد بـ (بإن) و (اللام) مثلا: (فإن الله لشاكر عليم)
P أو يأتي بنون التوكيد (لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ)
وهذا مناسب للمخاطب عندما يكون هناك معنى يحتاج إلى مزيد من التوكيد حتى لا يكون هناك أدنى شك. فمثلا: إذا اهتز القلب وشك في أن الله شاكر فالتوكيد هنا يلغي هذه الشبهة ويؤكد شكر الله لعباده على شكرهم له. و هنا في هذه الآية لأنه مقام عطاء ناسبت هذه الآية أن تختم باسم الله الشاكر مع توكيده.
كيف نتعبد الله تعالى باسمه الشكور؟
لم يرد الدعاء باسم الله الشكور، لكن ورد الدعاء بمقتضاه كما في قوله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152] فأمرنا الله عز وجل بالشكر.
و منه قول إبراهيم عليه وعلى نبينا السلام:(رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [إبراهيم: 37]
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم أرشدنا إلى طريقة جميلة في الاجتهاد في الدعاء يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحديث الذي رواه الامام أحمد و الحاكم و صححه الألباني: <أتحبون أن تجتهدوا في الدعاء قولوا اللهم أعنا على ذكرك شكرك و حسن عبادتك>و الدعاء هو العبادة فالاجتهاد في الدعاء اجتهاد في العبادة
حظ المؤمن من هذا الاسم
î قالوا توحيد المؤمن لربه في اسمه الشاكر يوجب عليه شكر الله تعالى على نعمه السابغة. إذ قلنا أن الشكور هو من يحمد الله في الضراء ويطيعه أيضا في السراء. وهذا يتوافق مع قول رسول الله صلى الله عليه و سلم (تعرف إلى الله في الرخاء) (خرجه ابن رجب في جامع العلوم والحكم وقال: حسن جيد)لأن هذا من مقتضى الشاكر. فالله الذي أنعم عليك بالنعم و أسداها إليك يوجب بهذا محبته.
î ومن شكر الله شكر الناس، فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (من لم يشكر الناس لم يشكر الله) (حسنه الترمذي)
فإذا أسدى أحد إليك معروفا إليك فكافئه، كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم <ومن أتى إليكم معروفًا فكافِئوه فإن لم تجدوا فادعوا لهُحتى تعلموا أن قد كافأتموهُ> و ليس أقل من أن تدعو لمن أعطاك أي شيء.
وروى أبو داود و صححه الألباني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(لم يشكر الله من لم يشكر الناس)
وعند الامام أحمد و صححه الألباني من حديث عبد الرحمن بن شبل أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال(إن الفساق هم أهل النار قيل يا رسول الله و من الفساق قال النساء) وهذا الحديث في المسند و في السلسلة الصحيحة قال الرجل يارسول الله: أو لسن أمهاتنا و أخواتنا و أزواجنا قال بلى و لكنهن إن أعطين لم يشكرن و أن ابتلين لم يصبرن)
و الشاهد في الحديث أن الرسول فسر لنا معنى الفسق وهو التجاوز في العصيان والتمادي في المخالفة. ودرجة الفسوق هذه تقترب من درجة الزندقة وهي بريد الكفر والعياذ بالله. فهنا فسر رسول الله معني الفسق أنه عدم الشكر عند العطاء وعدم الصبر عند البلاء.
وفي الحديث زجر النبي النساء زجرا شديدا لكفرانهن العشير. وكثير من الناس رجالا وتساءا يستحقون هذا الزجر أيضا.. إذ يحسن الله إليهم الدهر كله ولا تجد منهم شاكرا لأنعم الله.
îالشكر خير من الذهب والفضة
ففي سنن الترمذي و صححه الألباني من حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما نَزَلَتْ: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ. قال: كنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بَعْضِ أسفارِه، فقال بعضُ أصحابِه: أُنْزِلَت في الذهبِ والفِضَّةِ لو عَلِمْنا أَيُّ المالِ خيرٌ فنتخذَه. فقال: أَفْضَلُه لسانٌ ذاكِرٌ، وقلبٌ شاكرٌ، وزوجةٌ مؤمنةٌ تُعِينُه على إيمانِه) .
فانظر ماذا يسألونه وبماذا يجيب؟ !
اســـــم الله الحمـــــيد
ورد في القرءان في أكثر من موضع من ذلك
1. قوله تعالى (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ) [الحج 24]
2. ومنه قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) فاطر (15)
3. ومنه قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى: 28]
و اقترن باسمه المجيد كما في " سورة هود ": (قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ) [هود: 73]
واقترن باسمه تعالى الحكيم كما في قوله تعالى:(لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت: 42]
و في الحديث الذي رواه البخاري من حديث كعب بن عجرة أنه قال: < سألنا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقلنا: يا رسولَ اللهِ كيف الصلاةُ عليكم أهلَ البيتِ، فإنَّ اللهَ قد علَّمناكيف نُسلِّمُ عليكم ؟ قال: (قولوا: اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيمَ، وعلى آلِ إبراهيمَ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهمَّ بارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ)
معنى الاسم في حق الله تعالى:
الحميد سبحانه هو المستحق للحمد، سمى نفسه الحميد علا شأنه وارتفع، حمد نفسه وحمده الموحدون فله الحمد كله. وهو سبحانه المحمود على ما أعطي ومنع وضر ونفع ووهب ونزع.
قال ابن القيم رحمه الله: " (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الفاتحة: 2] أنه المحمود على ما خلقه وأمر به و نهى عنه، فهو المحمود على طاعات العباد ومعاصيهم ومحمود على خلق الأبرار والفجار "
و هي مسألة تشكل على الناس ولا يدرك عدل الله وحكمته فيها إلا المؤمنون حقا الذين يعرفونه سبحانه، أما من سواهم فيرون هذا ظلما والعياذ بالله ولا يدركون رحمة الله فيه.
وهو المحمود على عدله في أعدائه كما هو المحمود على فضله في إنعامه على أوليائه، فكل ذرة في الكون شاهدة بحمده لهذا سبح بحمده السموات السبع والأرض ومن فيهن.
كذلك فإن الله عز وجل هو الحميد الذي يحمده عباده الموحدون لأنهم يعلمون أنه خلق الدنيا للابتلاء وخلق الآخرة للجزاء، فهم يحمدونه في السراء والضراء و يوحدونه في العبادة والاستعانة والدعاء حتى يكرمهم بجنته عند اللقاء؛ فإن ابتلاهم صبروا وإن أنعم عليهم شكروا.
لذلك قال الله في وصفهم: (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ) [الأعراف: 43]
و قال أيضا سبحانه: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر: 34]
قالوا " أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ " وهذا يعني أن الدنيا دار شقاء وعناء ومن ابتغى فيها السعادة فهو خاسر، وأن أعظم البلاء حرمان القلوب من علام الغيوب، وحرمان الجنان من الرحيم الرحمن.
وذكر " غفور شكور " في هذا الموضع وقدم الغفور لأنه هو الذي يستر العيوب والذنوب العظام. فكأن أهل الجنة عندما أمسكوا صحائفهم ورأوا أعمالهم وذنوبهم وعاينوا أهوال الحشر، ثم يرون هذه القبائح العظام قد محيت وضوعفت حسناتهم على ما فيها من تقصير وشوائب، عرفوا وشعروا بمعني الله الغفور الشكور حقا.
ونحن نحتاج في الدنيا إلى الشعور بهذا المعنى، حسناتك تكثرها وتشكره عليه، وذنوبك تستغفر منها و تشكره و تحمده تعالى على فضله وغفرانه.
الحميد سبحانه وتعالى دال على ذاته الموصوفة بصفة الحمد، واسمه الحميد يلزم منه أن يكون الله حي، قيوم، سميع، بصير، غني، كريم، حليم، عزيز، عظيم، إلى غير هذا من أوصاف الجمال و الجلال.
وفي قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى: 28]
وهنا وقفة..لماذا ذكر في هذه الآية اسمه تعالى الوليّ؟
في هذه الآية أخبرنا الله عز وجل أنه يفرج و ينزل الغيث عندما يشعر الانسان القنوط و اليأس، فمثلا متزوج له سنوات و لم يرزق بأولاد فيرزقه الله حينما يقنط وينقطع أمله في الانجاب. حتى تتفرح بفضل الله وتتعلم أنه لا قنوط مع قدرته سبحانه..
و أيضا قال تعالى في الآية (وينشر رحمته):
قال ينشر لأن هذه الرحمة لا تنفع من تنزل عليه فقط بل هي تعم، فالله عز وجل ينشر للمستحق ابتداءا ثم من لا يستحق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عمّن يجالس أهل الذكر (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) فيغفر له الله كما يغفر لهم فبذلك ينتفع بمجالسته؛ و قس على هذا أي شئ.
(وهو الولي الحميد) ذكره للوليّ هنا لأن منعه ولاية و عطاؤه ولاية، لأنه لا يمنع بخلا سبحانه وإنما يمنع تربية ومحبة وحماية، فهو الذي يدبر الأمر ففوض أمرك إلى الله و اجعله وليك وارضى عن أفعاله.
حظ العبد من اسم الله الحميد:
أولا: أن نكثر من حمد الله سبحانه وتعالى على سائر الأحوال ونسبح بحمده كما يسبح كل شئ في الكون بحمده سبحانه: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء: 44] وكلمة " شيء " أي: الموجود، تطلق على سائر الموجودات، أي ما من مخلوق موجود إلا و يسبح بحمد الله.
w و اعلم أن حمد الله سبحانه و تعالى يستوجب رضاه فالرسول صلى الله عليه و سلم يقول: <إنَّ اللهَ تعالى لَيرضى عن العبدِ أنْ يأكلَ الأكلةَ، أو يشربَ الشربةَ، فيحمدُاللهَ عليها >(صححه الألباني)
wوالحمد مستوجب لغفران الذنوب وعلو المكانة عند الله وبلوغ مقام الرضا. و لا أفضل من مقام الرضا فلنحمد الله بالقلب و باللسان و بالجوارح بالتعبد و الخضوع لله.
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: < الطَّهورُ شطرُ الإيمانِ. والحمدُ للهِ تملأُ الميزانَ. وسبحان اللهِ والحمدُ للهِ تملآنِ (أو تملأُ) ما بين السماواتِ والأرضِ> (رواه مسلم).
wوالحمد لله من أحب الكلم إلى الله، كما جاء في الحديث(أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ أربعٌ: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ. لا يضرُّك بأيِّهنَّ بدأتَ) (رواه مسلم)
و قال سليمان عليه السلام: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ) [النمل: 19] يطلب من الله عمل صالح يرضيه لأنه ليس كل عمل صالح يرضيه. فالغني الذي يتصدق بخمس جنيهات ليس كالفقير الذي يتصدق بتلك الخمس ولا يقارن هذا بذاك. فإذا ليس كل عمل صالح يرضيه.
و قال الله عز وجل: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13]
وفي الحديث الذي رواه الامام أحمد وصححه الألباني من حديث مطرح رضي الله عنه قال: قال لي عمران: (أنه قال إني لَأُحدِّثُكَ بالحديثِ اليومَ، لِينفعَك اللهُ عزَّ وجلَّ به بعدَ اليومِ، اعلمْ أنَّ خيرَ عبادِ اللهِ تبارك وتعالى يومَ القيامةِ الحمَّادونَ)
وقال صلى الله عليه وسلم: <إنَّ للهِ ملائكةً سيَّاحين في الأرض فُضْلًا عن كُتَّابِ الناسِ، يطوفون في الطُّرُقِ، يلتمسون أهلَ الذِّكرِ، فإذا وجدوا قومًا يذكرون اللهَ تنادوا: هَلُمُّوا إلى حاجاتِكم، فيَحفُّونهم بأجنحتِهم إلى السماءِ الدنيا، فيسألهم ربُّهم، وهو أعلمُ منهم: ما يقول عبادي؟ فيقولون: يُسبِّحونك، ويُكبِّرونك، ويحمَدونك، ويمجِّدونك، فيقول هل رأوني؟ فيقولون: لا واللهِ ما رأوك، فيقول: كيف لو رأوني؟ فيقولون: لو رأوك كانوا أشدَّ لك عبادةً، وأشدَّ لك تمجيدًا، وأكثرَ لك تسبيحًا، فيقول: فما يسألوني؟ فيقولون: يسألونك الجنَّةَ، فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا واللهِ يا ربِّ ما رأوها، فيقول: فكيف لو أنهم رَأوها؟ فيقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشدَّ عليها حِرصًا، وأشدَّ لها طلبًا، وأعظمَ فيها رغبةً، قال: فمم يتعوَّذون؟ فيقولون: من النَّارِ، فيقولُ اللهُ: هل رأوها؟ فيقولون: لا واللهِ يا ربِّ ما رَأوها، فيقول: فكيف لو رأَوها؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشدّ منها فرارًا، وأشدَّ لها مخافةً، فيقول: فأُشهدِكُم أني قد غفرتُ لهم، فيقولُ ملكٌ من الملائكةِ: فيهم فلانٌ ليس منهم، إنما جاء لحاجةٍ ! فيقول: هم القومُ لا يَشْقى بهم جليسُهم) (صححه الألباني)
فأول معنى في اسمه تعالى الحميد أن تشكر ربك على كل أحوالك في الرخاء والبلاء.
الأمر الثاني:اسمه تعالى الحميد مستوجب لمحبته لا محالة فيزداد لله حبا بهذه اللطائف والمنن.
و الأمر الثالث:هو الحياء.. أن يستحي من ربه فالله سبحانه فهو وحميد وشاكر ومحمود من كل الخلق فهذا يستوجب الحياء ولا شك.
و الحياء يبعث على مقام رابع وهو الذل والانكسار و هذا هو المعنى الرابع (الذل و الانكسار لله الحميد) فالكل يقوم بمقام العبودية و انت مقصر فتذل و هذا يبعث على الانس بالله و الشوق اليه.
مختارات