الــبــــَارِئُ -جل جلاله-
23
الــبــــَارِئُ -جل جلاله-
الــبــــَارِئُ -جل جلاله-
صح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ -عليهما السلام-: لَأَطُوفَنَّ اللَيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ، أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ؛ كُلُّهُنَّ يَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ شَاءَ اللهُ، فَلَمْ يَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللهُ، فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ؛ جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ؛ لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ» [متفق عليه].
ليس للعبد وصول إلى حاجته إلا من باب الله -عز وجل- ؛ فالله هو:
(الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
[الحشر:24].
فاللهم لك الحمد! أنعمت علينا بنعمة الإيجاد بعد أن لم نكن شيئًا مذكورًا: (هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا) [الإنسان:1]. وامتدح الله -عز وجل- ذاتَه العليَّة باسمه: (البارئ -جل وعلا- ) بقوله: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ) [الحشر:24].
والبرء في اللغة: له معنيان؛ الأول: الخلق.
والثاني: التباعد عن الشي وخلوصه منه.
وبرئ: إذا تنزَّه وتباعد.
فربُّنا البارئ: الموجد والمبدع من العدم إلى الوجود، وهو الذي فضل بعض الخلق على بعض، وميز كل جنس عن الآخر، وصور كل مخلوق بما يناسب الغاية من خلقه؛ فهو يخلق الشيء من لا شيء، ويبرؤه بالخاصية التي تُمَيِّزُهُ عن بقية الخلق.
وهو -سبحانه وتعالى- خلق الخلق بريئًا من التفاوت والتنافر؛ (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ) [الملك: 3].
وربُّنا البارئ المنزَّه عن كل النقائص والعيوب في ذاته وصفاته وأفعاله.
وَفِي اسْمِهِ البَارِي يُرَى كُلُّ خَلْقِهِ
وَأَلْطَافُهُ تَتَرَى دَوْمًا وَتَنْزِلُ
فَسُبْحَانَ مَنْ كُلُّ الوَرَى سَجَدُوْا لَهُ
إِذَا سَبَّحُوْا أَوْ كَبَّرُوْا أَوْ هَلَّلُوْا
قال ربنا -سبحانه وتعالى-: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ) [الحشر:24].
والخلق: التقدير.
والبرء: الإيجاد من العدم.
والتصوير: هو إعطاء الصورة.
فالله -عز وجل- إذا أراد خلق شيءٍ قدره بعلمه وحكمته ثم برأه -أي: أوجده-؛ وفق ما قدره في الصورة التي شاءها وأردها -سبحانه وتعالى-.
ليست صدفة..
ليست صدفة..
قيل لأحد الحكماء: بم عرفت الله؟ قال: بخطوط أقلام القدرة على أوراق الكائنات؛
(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ)
[السجدة:7]،
(مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ)
[الدخان:39].
تَأَمَّلْ فِي نَبَاتِ الأَرْضِ وَانْظُرْ عُيُوْنٌ مِنْ لُجَيْنٍ شَاخِصَاتٌ عَلَى كَثَبِ الزَّبَرْجَدِ شَاهِدَاتٌ
إِلَى آثَارِ مَا خَلَقَ المَلِيكُ بِأَحْدَاقٍ هِيَ الذَّهَبُ السَّبِيكُ بِأَنَّ اللهَ لَيْسَ لَهُ شَرِيكُ
(قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [يونس:101]، هل هناك إلا صنعه وبديع خلقه، وعجيب قدرته، وآثار حكمته؟! فمن أحق بالألوهية؟ أليس الذي يخلق أولى أن يعبد، وأن يحمد، وأن يوحد؟! وأكثر الناس تعلم أنها خلق الله؛ ولكن أكثرهم يشركون؛ (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ) [يوسف:106]، فاقتسم الناس إلى صنفين:
المؤمنون: وهم خير البرية.
والمشركون: وهم شر البرية.
والعبد ينظر إلى فعله؛ فإن كان خيرًا فليحمد الله؛ حيث خلقه أهلًا للخير، ولو ترك نفسه لهواها ولم يقمعها بتقوى الله؛ لكان من شر البرية.
ومن هنا أمر موسى -عليه السلام- قومه بالتوبة إلى الله البارئ؛ حين انحرفوا عن الإيمان بالله، فصنعوا لهم صنـمًا من حليهم على شكل عجل: (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة:54].
والمؤمن كلما علم اسمًا من أسماء الله الحسنى وتعلمه؛ ازداد شرفًا ورفعةً، وازداد شوقًا ومحبةً لله -عز وجل-، وتقرب إلى الله بمعرفة هذا الاسم.
وعلم أن الله -عز وجل- على كل شيء قدير.
اللهم يا بارئ! الطف بنا، وأنزل علينا رحماتك.
مختارات