" عواقب الكلام "
" عواقب الكلام "
اعلم - أخي المسلم - أنه إذا لم يكن من الكلام فائدة فالأولى عندها السكوت، وكما قيل إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، والأصل في الكلام هو التخاطب بلغة يفهمها الجميع بما ينفع الناس لا بما يُوَّلد بينهم الأحقاد والضغائن والفتن والقطيعة.
وكم من فتن ومشاكل بل وحروب قامت كان سببها اللسان، وكم من أسرة تشتت شملها وتفرق زوجيها بسبب اللسان، وكم من قطيعة حلت بين الأقارب كان سببها اللسان، وهكذا، فاللسان تأثيره أشد وأنكى من اليد والفعال في الكثير من الأحيان، وكما قال الشاعر:
يموت الفتى من عثرة بلسانه وليس يموت الفتى من عثرة
فعثرته مِن فِيْهِ ترمي برأسه وعثرته بالرجل تبرا على مهل
والمعنى أن الرجل إذا عثرت به رجله فسريعاً ما تبرأ، أما إن عثر لسانه فقد يوقعه ذلك في الموت والهلاك.
ولنتذكر قوله صلى الله عليه وسلم لما ذكر الفتن آخر الزمان فقال صلى الله عليه وسلم: «إنها ستكون فتنة تستنظف العرب، قتلاها في النار، اللسان فيها أشد من وقع السيف» [أبو داود وابن ماجة]، لأن اللسان حينئذ يجر إلى الفتن وإلى مهالك وخيمة علي الجميع.
قصة في الكلام:
يروى أن شابا من المتدينين والمعروفين بحسن خلقه كان يُعرفُ بكثرة كلامه، ولم تكن فيه خلة ذميمة سوى تلك، وكان كثيرا ما يقع في أعراض الناس رغم تدينه، وكانوا كثيرا ما يعفون عنه ويسامحونه.
وفي يوم من الأيام تعرض ذلك الشاب لشيخ كبير هرم مريض، فتكلم عليه وتهكم عليه وازدراه، فما كان من ذلك الشيخ إلا أن رفع يديه ودعا عليه قائلا: أسأل الله تعالى أن يبتليك بما ابتلاني به.
وبالفعل ما هي إلا أشهر وإذا بالشاب يبتليه الله تعالى بما قذف به ذلك الشيخ، فابتلاه الله تعالى بنفس المرض، فجزع الشاب جزعا شديدا ولم يصبر على ذلك البلاء، بل وأكثر من الاعتراض والتسخط، ولم يرض بالقضاء والقدر، ومات وهو على تلك الحالة والعياذ بالله تعالى.
ولذا فاحذر أخي المسلم من عاقبة التكلم في الناس وإطلاق لسانك ليمر على كل شيء، واعلم أن العرب كانت تقول: (إن البلاء موكل بالمنطق)؛ أي أن من تكلم بكلام ابتلاه الله به، ومن رمى الناس بالعيب ابتلاه الله تعالى به عقابا له، وقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء إذا رأى أحدنا المبتلى بقوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، لم يصبه ذلك البلاء» [الترمذي وابن ماجة].
مختارات