" فضول الفكر "
" فضول الفكر "
يعتبر الفكر أساس العقل، فلا عقل من غير فكر وتفكير، والعقل هو أساس التكليف، ولا تكليف على من فقد عقله، والعقل هو مسرح الفكر، فالإنسان تسبح أفكاره في عقله وتجوب الخواطر فيه، وليس هناك حد للفكر، فالإنسان قد يفكر وتخطر بباله آلاف الأفكار والخواطر العقلانية واللاعقلانية، الصحيحة وغير الصحيحة، أفكار حسنة وأخرى مشينة، خواطر مفيدة وأخرى ضارة.
ولكن الشرع الإسلامي أمر المسلم أن يكون فكره وخاطره فيما يرضى الله تعالى، بحيث يستغل المسلم طاقته العقلية بما يعود عليه بالنفع والمصلحة.
والإنسان القوي العاقل هو الذي يملك فكره، فلا يسمح لعقله أن يفكر في كل شيء، ولا سيما الأفكار الضارة وغير المنضبطة، في حين أن الضعيف والجاهل والأحمق هو الذي لا يستطيع أن يقوم فكره، فتجده يفكر في كل شيء، ويسمح للخواطر من كل حدب وصوب أن تلعب به، قال صلى الله عليه وسلم: «الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله» [الترمذي وابن ماجة وأحمد].
والحقيقة أن الإنسان مهما كان لا يستطيع أن يضبط فكره في اتجاه معين من التفكير، وحتما ستمر عليه أوقات تجده يفكر في كل شيء؛ لأنه يتأثر بكل شيء من حوله مما يرى ويسمع، ولكن العاقل والمؤمن هو الذي لا يستسلم ولا يسترسل في فكره، ولا سيما الفكر غير السليم، وهذا هو الفرق بين العالم والجاهل.
فالعاقل يفكر فيما يعود عليه بالمنفعة والمصلحة، حتى وإن فكر فيما سوى ذلك - مما يدور في الرأس من خواطر وأفكار قد تكون فارغة وغير هادفة - تجده سريعا ما يعود ويفطن، فلا يتأثر بها، ولا يضيع وقته فيما يسمى بأحلام اليقظة، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا تمنى أحدكم فلينظر ما يتمنى، فإنه لا يدري ما يكتب له من أمنيته» [أحمد، والبخاري في الأدب المفرد].
ومن دعاءه صلى الله عليه وسلم: «وأن يكون صمتي فكراً» أي حين يصمت لساني يسبح فكري بذكرك يا رب.
والله تعالى قد حذرنا في محكم التنزيل من الاسترسال في الفكر والتسليم لذلك، وسماه عز وجل بخطوات الشيطان، فالإنسان إن استسلم لخواطره أيا كانت تجد أن الشيطان يستدرجه حتى يوقعه في الشر، وربما يُذكره بخير يسير ويحثه عليه ليوقعه في شر كبير.
ولذا فالواجب على المسلم أن يحذر من ذلك، فلا ينساق خلف أفكار وخواطر تسحبه رويدا حتى تجعله يقترف الحرام، فكثرة التفكير في المعاصي والمحرمات ومعاودة ذلك يُهوِّنها في عين المسلم ويُسهِّل عليه اقترافها.
ومن رحمة الله تعالى أنه عفا عن أمته حديث النفس، وأنه عز وجل قبل ذلك ستره على المرء، فكيف لو كشف عنا جميل ستره سبحانه ! قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم به» [الجماعة]، ولذلك كان من دعاء الصالحين: الحمد الله الذي منَّ علينا بجميل ستره، ولم يفضحنا بسوء أعمالنا، ولا بما فيما أنفسنا. قال الشاعر:
وفي الناس شر لو بدا ما تعارفوا ولكن كساه الله ثوب غطاء
والمعنى أن الله تعالى برحمته قد ستر علينا شرور أنفسنا ولم يفضحنا بإظهارها، وإلا لتنكر الناس لبعضهم عما بدى من شرور أنفسهم، والحمد لله على ذلك.
مختارات