" ثمرات العفة "
" ثمرات العفة "
للعفة ثمرات زكية، وآثار مرضية، تعود على صاحبها بالخير في الدنيا والآخرة، فمنها:
1- نيل وعد المتقين:
فالعفة من أجلى مظاهر التقوى، وأنصح صورها، لأن العفيف حينما يصد عن الفواحش وأسبابها إنما يتقي بعفته سوء الحساب.
ولقد وعد الله جل وعلا المتقين وعدا حسنا، وبشرهم ببشارات عظيمة كريمة، قال تعالى: " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا " [الطلاق: 5].
وقال تعالى: " إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ " [النحل: 128]، وقال سبحانه: " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ " [الطلاق: 2، 3]، وقال تعالى: " وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ " [الزمر: 61]، وقال تعالى: " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا " [الطلاق: 4]، وقال تعالى: " إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ " [الحجرات: 13]، وقال تعالى: " إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ " [الدخان: 51]، وقال تعالى: " إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ " [يوسف: 90]، وقال تعالى: " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ " [التوبة: 4] وغيرها من البشارات في القرآن والسنة، فأين شهوة ساعة من هذه الكرامات الرفيعة؟! وأين خسارة صبوة الهوى من هذا الجزاء الأوفى؟!
فيا مفاز المتقي ورح عبد قد وقي
سوء الحساب الموبق وهول يوم الفزع
ويا خسار من بغى ومن تعدى وطغى
وشب نيران الوغى لمطعم أو مطمع
2- النجاة من عواقب الفواحش:
فالعفيف في مأمن من عواقب الشهوات، وما تورثه من أضرار وعقوبات على النفوس والذوات.
فعقوبة الزنا فظيعة، وأضراره شنيعة، ومفاسده أشد فتكا بالزاني من السموم، وأعظم بطشا بعرضه ونفسه وماله وجسده من عدو ظلوم ! فما هو إلى لذة فانية، وشهوة منقضية، تذهب لذاتها، تبقى تبعاتها، فرح ساعة لا شهر، وغم سنة بل دهر، طعام مسموم أوله لذة وآخره هلاك، فالعامل عليها والساعي لها كدودة القز يسد على نفسه المذاهب بما نسج عليها من المعاطب، فيندم حين لا ينفع الندامة، ويستقيل حين لا تقبل الاستقامة.
فطوبى لمن أقبل على الله بكليته وعكف عليه بإرادته ومحبته، فإن الله يقبل عليه بتوليته ومحبته وعطفه ورحمته، وإن الله إذا أقبل على العبد استنارة جهاته وأشرقت ساحاته وتنورت ظلماته وظهرت عليه آثار إقباله من بهجة الجلال وآثار الجمال، وتوجه إليه أهل الملأ الأعلى بالمحبة والموالاة؛ لأنهم تبع لمولاهم فإذا أحب عبدا أحبوه، وإذا والى وليا والوه)(طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن القيم).
ولو تأمل المسلم في عقوبات الزنا وأضراره في الدنيا والآخرة لأدرك ما يفوته طائع شهوته على نفسه من الخير والفضل وما يحنيه من مر الثمار وشنيع الأضرار، فالزنا يسبب الأمراض والأوجاع التي يحار فيه الطبيب، ويصرع بها اللبيب، وأغلبها أمراض شاذة، لا يعلم لها دواء، ولا يرجى لها شفاء.
فمن تلك الأدواء:
1- مرض الزهري: وسببه جرثومة خبيثة تدعى: (تريبوينماباليديم) وتتولد بسبب الزنا والعلاقات الجنسية المحرمة، ولا يمكن أن تحدث مطلقا في الوطء الحلال، وتتجلى أعراضه في تقرح الأعضاء التناسلية، والكبد والأمعاء، والمعدة والبلعوم والرئتين، ويترك هذا الداء آثارا خطيرة على المريض كالشلل، وتصلب الشرايين – مما يزيد من احتمالات السكتة القلبية – والعمى والذبحة الصدرية وسرطان اللسان والسل أحيانا(انظر: الأمراض الجنسية د/ نبيل الطويل).
2- مرض السيلان: ويسمى في بعض البلدان العربية (الرَّدَّة) أو (التعقيبة) وهو أيضا يحدث بسبب الزنا والعلاقات المحرمة دون الوطء الحلال.
وله آثار وأخطار جسيمة، منها: الالتهابات في الأعضاء التناسلية، والتهاب الكبد والقلب، والتهاب القولون، مع ما يصحبه من صديد ذي رائحة كريهة.. ويعد من أهم أسباب العقم.
3- مرض الهربس: وهذا المرض من أكثر الأمراض شيوعا في العالم لا سيما البلدان التي تهتز بالدعارة والانحلال مثل أمريكا وبريطانيا، وهو أخطر من مرض السرطان، وله مضاعفات خطيرة على الأعضاء التناسلية،كما أنه يؤدي إلى تلف الدماغ، وارتفاع نسبة وقوع موته، ويسبب مضاعفات نفسية خطيرة في صفوف الشباب المنحل، وتظهر أعراضه على شكل تقرحات شديدة الحمرة في الفم وفي جوانب الفخذين والأعضاء التناسلية، نسأل الله العافية(انظر: الأمراض الجنسية عقوبة إلهية، د/ عبد الحميد القضاة).
4- مرض الإيدز: ومعناه (انهيار أو نقص حاد في المناعة المكتسبة)، وهذا المرض يجعل الإنسان عرضة للموت في أي لحظة، لأنه لا يستطيع مقاومة أقل الأمراض خطورة كالجروح والحمى وغيرها لأن جسم المصاب بـ(الإيدز) لا يتوفر على مناعة تمنع أضرار المرض وتدفعه، ولقد بث هذا المرض رعبا شديدا في قلوب المنحلين والإباحيين في الغرب، ويذكر أن سببه العلاقات الجنسية المحرمة عامة واللواط والمخدرات خاصة، نسأل الله السلامة والعافية(الجنس وأمراضه، د/عبد الناصر نور الله).
ولو تتبعنا الأمراض التي يورثها الزنا لوجدناها أكثر بكثير من الذي ذكر، وإنما أردنا بذكر هذا القليل التنبيه على خطورة الشهوات وعواقبها في الدنيا.
وأما أضرارها على صاحب الشهوة في ماله ونفسه وعرضه فإنها ممحقة للرزق هاتكة للشرف والعرض، سالبة لصفات الجمال والكمال والسيادة، فلا يرى صاحبها إلا منبوذا بين الناس وإن مدحوه، محروما وإن منحوه، فإنه لما ضيع طاعة الله بارتكاب الفواحش، ضيع الله عليه أسباب سعادته بتنفير الناس عنه وهتك عرضه ! مع ما يورثه هذا الذنب العظيم من ضيق الصدر، وقلة ذات اليد، وقسوة القلب وذهاب ماء الوجه ونوره ووضاءته ونضارته.
فطوبى لمن عف لله، واجتنب محارم الله، فعاش في مأمن من مغبر هذه الأدواء والتمس بعفته وطهارته الطمأنينة والسعادة والهناء.
وأما عواقب الشهوة في الآخرة فهي أشد وأنكى، وأكبر وأعتى.
قال تعالى: " وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ " [الفرقان: 68-70].
قال ابن القيم رحمه الله: فقرنه الله بالشرك وقتل النفس، وجعل جزاء ذلك الخلود في العذاب المضاعف، وما لم يرفع العبد موجب ذلك بالتوبة والإيمان الصلاح (الجواب الكافي لابن القيم (361)، وللفائدة انظر: كتاب الجواب الكافي(ص 390)، وما بعدها، فقد بين فيه مفاسد الزنا وأضراره وأدلته من الكتاب والسنة).
أخي الكريم.. فكيف يزهد عاقل في عفته وهو ينظر إلى أهل الشهوات يسقطون صرعى في براثن الأمراض وهتك الأعراض؟! فلو لم يكن من ثمرات العفة إلا ثمرة النجاة من عواقب الزنا وأسبابه في الدنيا والآخرة لكان حقيق بالمسلم اللبيب أن يعف عن المحارم، ويطمع في المكارم !.
مختارات