" يتـامى الطـلاق "
" يتـامى الطـلاق "
منذ أن بدأ جيبه يثقل بالنقود بعد فتح مكتبه العقاري، بدأ دينه يخف، وأصبح يتطلع إلى تقليد أصحابه الذين يعبدون الله على حرف، وصار يطمع في زوجة عصرية تتماشى مع رقة دينه، وتسايره في سهراته المختلطة مع عائلات أصدقائه.
لمَّح لزوجته بذلك وهو يعلم تمسكها بدينها، ولكنها رفضت أن تكون من أولياء الشيطان، هددها بطلاقها، وضخم لها ما ستلاقيه من طفلتها وطفلها اللذان لم يتجاوزا الخامسة من العمر، والجنين الذي سيأتي بعد شهرين، لكنها ضحت بكل الصعاب إلا التساهل بدينها، ولكنها كانت بينها وبين نفسها لا تصدق ما يقول، وهي تعرف حبه لطفليه ومودته لها، ولا سيما أنها رفيقة طفولته، وجاءها يومًا يخبرها أنه سيتزوج من امرأة في الخامسة والثلاثين، تكبرها بعشر سنوات ولكنها ستكون نعم المعين له في طريق الشيطان، وقد وافقت على مرافقته إلى سهراته المختلطة، ونبذت الحجاب إرضاء له. خرجت زوجته من حياته مع أولاده، وخاصة أن من تزوجها ابنةُ مستخدمه التي كانت تحسن إليها، ولكنها تنفر منها لأفكارها البعيدة عن الدين.
وبعد شهرين وضعت طفلة فصارت طفلتان لأخ واحد فعكفت على تربية أولادها عند أهلها، ورفضت كل من تقدم إليها، وهذا ما أقض مضجع ضرتها، فكانت ترسل لها الخطاب تارة، وتارة تكيل لها الشتائم لأنها لم تتزوج، وأنها ما زالت تأمل أن يردها زوجها وهذا لن يتحقق، وترسل لها من يأمرها بالزواج؛ لأن زوجها لن يعيدها إليه مرة أخرى، وكلما وقف الجرح عاد إلى النزف مرة أخرى، وخاصة عندما رفضت ضرتها استقبال أولادها في بيتها، فكان والدهم يراهم نصف ساعة عند عمتهم، وكثيرًا ما كانوا يشتاقون إليه فيهربون دون أن تعلم أمهم أو أهلها بذلك، فيتيهون في الشوارع ليأتي بهم رجل الشرطة، أو كثير من فاعلي الخير بين بكاء وصياح، لأنهم يريدون رؤية والدهم وإحضاره إلى البيت مثل بقية أولاد الجيران والأقرباء، وكثيرًا ما يصلون إلى البيت فترجعهم زوجة أبيهم بعد أن تضربهم، وتخفي ذلك عن أبيهم، مضت خمس سنوات، وانتهت فترة الحضانة وبدأت زوجة أبيهم تعدّ غرفة مستقلة لأولاد زوجها، لا حبًا لهم ولكن لتحرق قلب أمهم عليهم من جهة، ولتدفعها إلى الزواج من جهة أخرى، فينقطع الأمل بعودتها لزوجها، فأرسلت تخبرها أن عليها أن تودع أطفالها؛ لأنها لن تسمح لها برؤيتهم بعد ذلك. فكرت الأم المسكينة مرارًا في هذا الموقف الصعب، واسترجعت عروض زوجها ليعيدها إليه. لكنها كانت ترفض خوفًا على دينها وأن يجبرها على ترك حجابها، وتوجهت إلى الله بالدعاء فاستجاب لها. إذ حضر والد أطفالها يعرض على أهلها أن تعود إليه ليعيش الأطفال معها وهي آمنة على دينها، فعادت لتكون درعًا يحمي أطفالها من التشرد والضياع، ورد الله كيد الضرة في نحرها، وكانت فرحة الأطفال لا تقدر: لقد صار لهم أبًا وأمًا كغيرهم من الأطفال، ونزلت دمعة فرح تحجرت في العين خمس سنوات، واختفت كلمة مطلقة وحل محلها زوجة، وأم، وزال اسم يتامى الطلاق (قطار الزواج والطلاق، رجاء أبو صالح ص: 35-37 ).
مختارات