" زهرة في مهب الريح "
" زهرة في مهب الريح "
ما أجمل الحياة حينما تكتسي ثوب السعادة، فيكون لها مذاقها الحلو وطعمها اللذيذ! وما أشد ظلمة الكون حينما تكون الحياة بحارًا هائجة يسودها السبُّ، والشتم، والضرب! غفلت تلك الأم عن جمال الدنيا، وحسبت أن الحياة عناد ! لقد عاشت أسرة هذه الزوجة في بداية حياتها الحب، والطمأنينة، والترابط، ولكن حينما دبت المشكلات، وأصبح لا هم لربة البيت سوى عناد الأب واستفزازه بكل الطرق بقصد أحيانًا، وأحيانًا كثيرة بدون قصد، بدأت بذرة المتاعب، كما أن الأب اتسم بالسلبية ؛ فأهمل كل واجباته التربوية، وأغلق عقله وتفكيره عن سماع احتياجات أبنائه، وحصر تصرفاته في انتقاد كل ما تقع عليه عينه في البيت.
كانت تلك هي بداية ضياع الأبناء، فقد افتقدوا الجو العائلي الذي يشيع الدفء في أركان البيت. افتقدوا الحنان والعطف، فكانت ضحية المأساة زهرة في المرحلة المتوسطة، عانت وطأة المشكلات ليل نهار؛ افتقدت أبسط مقومات الحياة النفسية السليمة. صحيح أنها كانت صغيرة في عمرها، ولكنها كانت كبيرة في تفكيرها. أحسَّت حب الأم وحنان الأب، وعاشت دفء الأسرة المترابطة فترة من فترات طفولتها، لكن هبوب العواصف جعل لها مع المشكلات موعدًا.
كانت ليلة دامسة غاب فيها القمر، وغابت معه كل لحظة أمل في العيش الهادئ، كان السبب تافهًا ككل مرة، لكنه أحدث أثرًا عميقًا هذه المرة، فقد ضاع بعده كل شيء، انفرط العقد، وانقطعت الشعرة التي كانت تجمع الشمل، وفقدت الزهرة آخر فرصة للعيش في هدوء وسعادة. وقع الخلاف الفعلي، وبعدها قرر الأب ترك البيت، وتكوين أسرة أخرى، أبقى أسرته الأولى ليعيش أفرادها عيشة كريمة مع الأم فقط، واكتفى هو بالمرور والسلام من حين إلى آخر. وهكذا بدأت أولى خطوات غياب الرقيب الراعي.
كانت الزهرة كأي فتاة في عمرها ذات عاطفة جياشة، وحب يسع الدنيا بأكملها، رقيقة المشاعر، مقبلة على الحياة، بريئة ومندفعة لقلة خبرتها وضعف تجربتها، أرادت أن تعوض الحب الذي طمره خلاف الأبوين ؛ فجاء التعويض فادح الثمن.
لم يكن هناك من يوجهها التوجيه الصحيح، وغاب الاهتمام الأسري بأم منغمسة في أخبار زوجها وافتعال المشكلات مع زوجته الجديدة ولو من بعيد؛ فنسيت بيتها ومن فيه.
كانت هذه الطالبة في المدرسة قلقة، ومضطربة، وتنتظر الخروج، وبالفعل خرجت، ولكن إلى أين؟ إلى سيارة أحد المنحرفين. لقد وجد فيها فرصته لكي يعبث بها كيف يشاء، ثم يعيدها إلى المنزل بعد أن يروي ظمأه الحيواني منها.
وكانت الزهرة تتوهم أنها تعوض ما فقدته من عاطفة، وكأن عقلها الباطن أوحى لها بذلك كي تنتقم بطريقة غير مباشرة ممن كان السبب في افتقادها لدفئها الأسري، كانت الزهرة تعود للمنزل فلا تجد من يسألها أو يحاسبها، واستمر الحال فترة طويلة، وسط ضياع أخلاقي وغياب من الرقيب.
ولأن لكل بداية نهاية؛ جاءت لحظة «الصحوة» لتوقظ الفتاة من غفوتها، ولكنها كانت لحظة مفعمة بالألم والحسرة. استيقظت الزهرة ولكن على ماذا؟ على ضياع الشرف وتهدم دمار المستقبل ! وبعدما استيقظت الأم الغافلة، وجاء الأب المهمل يلطم وجهه، ويندب حظه وآماله، لكن الزهرة كانت الضحية الأولى والأخيرة. إنها الآن تصرخ بين قضبان الحياة وتستنجد، فقد حكمت على نفسها بالسجن المؤبد، وكان حصادها ضياع كل شيء في غفلة من الجهل، وضعف الإيمان، وغياب الرقيب والأسرة.
وقفة: وبعد أن انفرط العقد، واستغنى كل واحد عن الآخر، من الذي دفع الثمن وبحث عن العاطفة المحرمة؟ من المسؤول عن هذا الضياع؟ أيها الأب أيتها الأم! هذه هي نتيجة الغفلة، والإهمال في التربية: الألم والحسرة والندم حيث لا ينفع الندم.
أبناؤكم أمانة في أعناقكم، حافظوا عليهم، ارعوهم، أشبعوا عاطفتهم، راقبوهم قبل فوت الأوان.
الأمانة عظيمة أيتها الأم سوف توقفين وتحاسبين، قال تعالى: " وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ " [الصافات: 24]، أيها الأب حذار من أن تضيع رعيتك (مأساة طالبة ص: 8-11).
مختارات