" ضيـاع أسـرة "
" ضيـاع أسـرة "
نشأ نشأة عادية، كان يقضي معظم وقته في الشارع يلعب، ويلهو مع أصدقائه الذين يقاربونه بالسن، وهو بينهم عنيف جدًا، وعصبي جدًا، ولا يتحمل زملاءه، وكان دائمًا يحب أن يكون هو الرئيس، وكان أصدقاء السوء يرحبون به، ويعتبرونه عضوًا فعالاً في جمعية الفاشلين، والمنحلين أخلاقيًا. أما على المستوى الدراسي فكان فاشلاً دائم الرسوب، وأين دور الأسرة من هذا العضو المريض التائه؟! ولقد كان وضعه الأسري تعيسًا، فالأسرة ضائعة، راعي الأسرة هو الأب لا يدري ماذا يفعل؟ فقد ترك زمام رعاية الأسرة لزوجته التي كانت ضعيفة الشخصية، لا تدري ما يدور حولها، وكانت الأسرة مثل السفينة في وسط بحر هائج، لا أمل لها في النجاة أو الوصول إلى بر الأمان.
لما رأى صاحبنا أنه فاشل دراسيًا، خرج من المدرسة يبحث عن وظيفة، فلم يجد إلا وظيفة في السلك العسكري، وانخرط فيه، ولكن بما أنه كان إنسانًا غير سوي، وغير مستقر نفسيًا، لم يدم في السلك العسكري، وترك الوظيفة وأراد أن يعمل بالقطاع الخاص، ولكن الفاشل نجاحه صعب، وأشار عليه رفقاء السوء أن أسهل كسب للربح المادي هو الاتجار بالمخدرات، وبما أنه ليس لديه أي رادع ديني، أو أخلاقي، أو اجتماعي يقيه من الوقوع في مثل هذه البؤر الفاسدة، فإنه لم يتردد لحظة واحدة، بل رحب بالفكرة وبدأ العمل.
وكانت النتيجة بالنسبة له ناجحة، وجمع رأسمال لا بأس به، وبدا عليه الثراء، فزاد في فحشه وفجوره. وكما هو معروف، فإن المال الحرام لا يذهب إلا في الحرام، ولا يؤدي بصاحبه إلا إلى المهالك، حتى جلوسه في البيت كان يقضيه في الفساد، فكان يشاهد الأفلام الخليعة الساقطة، حتى صار أسفل سافلين، واندحر خلقيًا إلى أدنى درجة، فصار إنسانًا بلا دين، ولا خلق، ولا غيرة، حتى الحيوان يشمئز منه ويخرجه من فصيلته، وصار يرتاد شقق الدعارة، ومواخير الفسق والفجور، فصار القرد والخنزير أرقى منه خلقيًا.
وفي إحدى الليالي الحمراء، دعي إلى شقة نتنة، ولما دلف إليها وجد فيها أحد المطربين يتلاعب بالعود، وعبدة الشيطان يرقصون، ويصفقون، ويضحكون، وكأنهم باقون خالدون !! والدخان يتصاعد في كل مكان، والكؤوس تلمع بما فيها مع أضواء المصابيح، والأنخاب تتبادل بين النساء والرجال، بل قل بين الإناث والذكور، فالرجال لا يتواجدون في مثل هذه البؤر الفاسدة، والمستنقعات الآسنة. واعتاد على هذا الجو الفاسد، وفي كل ليلة يجد في هذه الشقة وجوهًا جديدة من النساء الحسناوات الفاتنات يرقصن، ويتمايلن، ويشربن.
وهكذا كل ليلة يسهر مع رفقاء السوء، ورفيقات الشيطان إلى ساعات الفجر الأولى، ولا يهدأ إلا مع صوت الأذان ينادي حي على الصلاة، حي على الفلاح، ولكن من يسمع... إنها أجساد قد خلت من الشعور، وخويت من الحياة، وكما قال الشاعر:
لقد أسمعت لو نـاديت حيـاً ولكن لا حيـاة لمـن تنـادي
وذات ليلة قرر هذا الماجن أن يستريح ولا يذهب إلى شقة الفساد، ولكن من له أصدقاء مثل أصدقائه قد غلبوا الشيطان بمكرهم وخبثهم، لا يمكن أن يهدأ أو يستقر لحظة، فأصروا عليه وهو يتمنع، وأخذوا يغرونه ويصفون له الجو هذه الليلة بأنه جو ساخن، فسوف يأتي مطرب مشهور لإحياء هذه الليلة – بل لدفننا وليس لإحيائها – وسوف تكون معه بنت جميلة باهرة الجمال رشيقة القوام، فاتنة، وسوف تصاحب هذا المطرب بالرقص والغناء، فتاق قلبه، وزاد شوقه، وسبقهم إلى شقة الفجور، وجلس ينتظر وكله شوق، وإذا بالفتاة تدخل وهي ترقص مع أنغام الموسيقى، وصوت المطرب الفاسد يزيد الجو سخونة، وأخذت تتمايل، والقلوب معها تتمايل، وتعلقت العيون بها، وأخذ هو يتفحصها من أخمص قدميها إلى أعلاها، حتى وقفت عيناه عند وجهها فتسمرت، ولم يرتد إليه طرفه، وفغر فاه من هول المفاجأة، وأراد أن يصرخ بأعلى صوته، ولكنه لم يستطع. وأخذ شريط حياته الفاسدة يُعرض أمامه، وأخذ يحدث نفسه قائلاً: أنا الذي كل ليلة مع بنت من بنات الهوى، ألعب بهن كيف أشاء، وأدنس شرفهن وشرف أسرهن يحدث لي مثل هذا الموقف؟!.أنا..أنا.أنا.. أي حيوان خسيس يحدث له هذا؟! أتدرون ما الذي حدث؟ إن هذه الراقصة الفاتنة التي تتمايل بجسمها بين هؤلاء الذكور الفسقة والتي تاق قلب هذا الفاسق لها إنها أخته!! شقيقته من دمه ولحمه... ولم تكن تدري أن أخاها مدعو للتفرج على جمالها، والتمتع برقصاتها، ولا هو يعلم وأصدقاء السوء أيضًا لا يعلمون، ولكن لا بد لأي شيء من نهاية إما سعيدة، أو تعيسة حسب العمل ونوعه إن كان عملاً طيبًا فالنهاية سعيدة وإن كان عملاً خبيثًا فالنهاية تعيسة ولو بعد حين.
لقد كان منظر أخته وهي ترقص في هذا الجو القذر صدمة كبيرة له، ولكنه تمالك نفسه رغم أنفه، وجلس صامتًا، يحترق من الداخل، ولكنه لم يقم بأي حركة، ولمحته أخته، فعرفته فارتبكت، وخافت، وتظاهرت بالتعب والإرهاق، وخرجت مسرعة إلى المنزل، وأتم هو سهرته مع رفقاء السوء، وأخذ يفكر كيف يتصرف مع أخته، ودفعه تفكيره الشيطاني إلى أمر.
وفي الصباح ذهب إلى البيت، وكأنه لم ير أخته في ذلك المكان النتن، حتى اطمأنت أخته، وتيقنت أنه لم يعرفها، ولم يدر عن عملها شيئًا، ومرت فترة تقارب الشهر، وخرج مع أخته لقضاء بعض الحاجات في السوق، وأثناء عودتهما عرج إلى طريق البر، وتوغل في الصحراء، فاستغربت أخته وقالت له: إلى أين أنت ذاهب؟! فتذرع لها بقضاء حاجة.
وفي وسط الصحراء القاحلة الخالية من النبات والطير والإنسان أنزلها من السيارة، وأخرج سلاحه أفرغ في رأسها طلقات، وتركها تنزف وحيدة في هذا المكان الخالي، ثم ذهب إلى أقرب مخفر للشرطة وسلم نفسه، وبسرعة توجه رجال الشطة إلى مكان الحادث، فوجدوها قد زحفت لمسافة 20 مترًا تجاه الشارع العام، ولكنها ماتت، وقد تبين عند الفحص عليها أنها لم تمس ولا يثبت عليها أنها باشرت الزنا.
وحكمت عليه المحكمة بالسجن عشر سنوات فقط (جريدة الرأي العام العدد (19788) بتصرف. نقلاً عن: كما تدين تدان ص: 87-90) !!.
مجرم فاسد مروج للمخدرات قاتل يحكم عليه عشر سنوات، ولكن ما النتيجة؟ هل اتعظ هذا المجرم بهذا الحكم؟... لا... بل تمادى في غيه، وواصل فسقه، وفجوره في السجن، ففي أثناء سجنه، راود شابًا وهتك عرضه، وهذه هي نتيجة التهاون بشرع الله وعدم العمل بالقوانين الشرعية التي شرعها الله عز وجل.
إن هذه القصة تبين أن لكل شيء نهاية، فمهما تمادى الإنسان واغتر بما لديه من مال وقوة، فإن الله له بالمرصاد، وإن الجزاء من جنس العمل، فهذا الفاسق قد تعرض لبنات الناس، فطعن بعرضه أمام عينيه، فاعتبروا واعلموا أنه كما تدين تدان.
مختارات