" الكنـز المخبـوء "
" الكنـز المخبـوء "
قالت مديرة المدرسة: تأخرت إحدى التلميذات ذات يوم في المدرسة حيث لم يحضر – السائق والخادمة – لاستلامها، فكلفت المشرفة بالبقاء معها حتى قدومهما لاستلامها، ثم انتظرت المشرفة حتى صلاة العصر... ولم يحضر أحد... فاتصلت بي في البيت مخبرة إياي بالأمر، فأشرت عليها بأن تأخذ التلميذة معها إلى بيتها، وتترك للحارس رقم هاتفها... فلعله حصل لأهلها أمر طارئ اضطروا بسببه لهذا التأخير... وغادرت المعلمة المدرسة مصطحبة معها تلك المسكينة إلى بيتها، فأطعمتها وآوتها، وجلست تنتظر أن يتصل بها أحد... ولكن دون جدوى... فسلمت أمرها لله... وتركت الطفلة تبيت مع أطفالها... ثم أخذتها معها في اليوم التالي إلى المدرسة... وجاءت بها مباشرة إلى المديرة، وأخبرتها بخبرها.
قالت المديرة: رفعت سماعة الهاتف واتصلت فورًا بأم التلميذة لأرى ما الأمر، فردت علي إحدى الخادمات، وأخبرتني أنها نائمة...!! قلت: الحمد لله لم يحصل لها مكروه... ثم كررت الاتصال الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، ثم ردت علي الخادمة وأخبرتني أنها لن تصحو من نومها قبل الواحدة بعد الظهر، فسلمت أمري لله... واتصلت بها بعد الواحدة بقليل... ولم أخبرها بشيء... إنما طلبت منها الحضور إلى المدرسة فورًا لأمر مهم يخص ابنتها.
فأجابت الأم قائلة: لدي موعد مع الخياطة بعد قليل... إنه مهم جدًا لا بد أن أقضيه، لأنني الليلة مدعوة إلى حفلة عرس... وقد أتأخر عند الخياطة... لهذا فأنا أعتذر اليوم عن الحضور إلى المدرسة، وسآتيكم غدًا، قالت لها المديرة: سأنتظر في المدرسة اليوم مهما كلف الأمر حتى لو بقيت للعشاء.
فذهبت الأم للخياطة أولاً... ثم عرجت بفضلة وقتها إلى المدرسة لترى ماذا حلَّ بابنتها!! وجدت المديرة بانتظارها فبادرتها قائلة: أين كانت ابنتك البارحة؟ قالت الأم: كانت في البيت أين ستكون؟!! المديرة: هل تناولت معها طعام الغداء ثم أشرفت على دروسها ومذاكرتها وهل لاحظت ساعة نومها؟ قالت الأم: لا، قالت المديرة: ولمَ لا؟ قالت الأم: لأن الأولاد لهم جناح خاص بهم، تشرف عليهم إحدى الخادمات...، تحضر لهم الطعام...،الشراب... وهي التي تقوم بالإشراف على دروسهم... ألا يكفي أننا تعبنا في حملهم وإنجابهم...!! قالت لها المديرة: أتعرفين أيتها السيدة المحترمة... أن ابنتك لم تبت البارحة في جنتها الحالمة!! وبرجها العاجي...!! إنما باتت في بيت إحدى المعلمات جزاها الله خيرًا.
قالت الأم وقد فوجئت واندهشت مما تسمع: ماذا؟! أنا لا أسمح بمثل هذا الكلام... وهذا التطاول... نحن من عائلة معروفة – كما تعلمين – وقد يؤثر هذا الكلام على سمعتنا...!! قالت المديرة: أيتها السيدة... إنه ليس كلامًا كما تتصورين إنه أمر واقع مرّ... أنت أداتُه الفاعلة... ونحن نتجرع غصته، أنت أم والأمومة لفظة تلقي بظلالها على أركان النفس الإنسانية السوية، فتدفعها دفعًا لا شعوريًا إلى التضحية والعطاء.. وإسباغ الحنان، والشعور بالرحمة، أين أنت من كل هذا؟! ألست أمها؟ ما هو شعورك نحو ابنتك؟ أين أنت منها؟! إنها كنزك المخبوء عند كبرك... وبعد موتك... إنك إن لم ترحميها في صغرها... حرمت من رحمتها عند كبرك... وبعد موتك... أنت لو كانت معك كنوز قارون فإنها ستفنى، ولكن الرحمة...والحنان... والتضحية... والصبر.... كلها نودعها في خزائن الله الذي لا تضيع عنده صغيرة... ولا كبيرة إلا أحصاها لنا، ثم يبارك لنا فيها... في أي عالم أيتها الأم تعيشين؟! طأطأت الأم رأسها، ثم التفت إلى البريئة ابنتها، وقالت لها: أين كنت البارحة..؟ فأجابت الطفلة بكل براءة... وكأنها تعبر عن مشكلتها بكل صدق.
قالت الطفلة: ماما... لقد تناولت طعام العشاء البارحة مع المعلمة وأولادها... ثم نمت معهم... ورأيت المعلمة في الليل تمر علينا واحدًا واحدًا وتغطينا... إنها يا ماما تخاف على أولادها من البرد، ثم تناولنا وجبة الفطور أيضًا كلنا مع بعضنا... الفطور جميل يا ماما ولذيذ، وقد عملت لي المعلمة شطيرة من الجبن أكلتها في الفسحة المدرسية... كم سعدت يا أمي في بيت المعلمة... افطري معي يا أمي كل يوم... وتعشي معي... أرجوك يا أمي.
نهضت الأم من مكانها وهي ممتعضة وغادرت تجر ابنتها وهي تتمتم قائلة: ويل لكما اليوم مني أيها السائق، وأنت أيتها الخادمة... هذا كل ما قدرت عليه هذه الأم (المرجع: الإصلاح، العدد (219). نقلاً عن كشكول الأسرة ص: 58-61)...!! قلت: القصة لا تحتاج إلى تعليق، وهي مهداة إلى كل الأسر من الأمهات والآباء الذين يزيفون الأمومة والأبوة بالخدم والسائقين، ويظنون أن الأمومة والأبوة معاشرة وحمل وإنجاب فقط، ولا يعرفون أنها مسؤولية وأمانة وتربية.
مختارات