" صفحة من مذكرات فتاة "
" صفحة من مذكرات فتاة "
لم أكن لأكتب هذه الأسطر على مرحلة من مراحل حياتي لولا إدراكي لأهميتها، وضرورة عرضها لما فيها من العبرة والعظة...فأنا فتاة شابة أنعم الله علي بالهداية، ونوّر لي بصيرتي بعد العمى والضلال... فقد كنت تائهة حائرة، شربت من الموارد المختلفة حلوها ومرها، فلم أجد ألذ من طعم الهداية والتقى في رحاب كتاب الله تعالى وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم.
بلغ عمري الآن الثامنة والعشرين عشت في أسرة ثرية كان والدي دائم الأسفار ليوفر لنا كل ما نتمنى ونريد ولكثرة أسفار والدي تغيرت علي ملامحه كانت والدتي تصنع كل شيء في البيت... وهي التي تدير شؤوننا في غياب والدي المتكرر... وكنا نسافر في الإجازة كثيرًا، واعتقد أنني جبت معظم أقطار العالم... كنا نسافر مع بعض المعارف، وغالبًا ما كانت تذاكر السفر على حسابنا... كانت والدتي – في ظل غياب والدي – متحررة تارة، ومحتشمة تارة أخرى... ولم يكن يجرؤ أحد من أخوالي على مفاتحها في الأمر، أو نهيها عن سفورها؛ لأنها كانت تجود عليهم بالمال، وتمنحهم ما يحتاجون إليه من النقود..عشت في هذه الأجواء أنا وأخواتي حتى كبرنا وصرنا نرتدي الحجاب... لكننا كنا نشعر بعدم الحاجة إليه، ولم نكن على قناعة في ارتدائه... لذلك كنا إذا ركبنا الطائرة لسفر خارج وطننا نسرع في خلع الحجاب؛ لنتخلص منه... ولم نكن وحدنا الذين نفعل هذا، فقد شاهدنا فتيات كثيرات يفعلن مثلنا في الطائرة وهذا جعلنا نشرع بأن الكل يشاركنا نفس الشعور مما ولد لدينا شعورًا بالراحة والرضي... وما أن تصل الطائرة ونهبط من سلمها حتى يجتاحني شعور ببداية برنامجي المليء بالتسلية واللعب، مسارح، فنادق، فسباحة، سباحة، ملاهي وغير ذلك.
كثيرًا ما كنت أتعرف على كثير من أبناء وطني، أو من خارجه، ونقضي معًا أوقاتًا في اللهو والعبث و...كان والدي قد اشترى لنا هناك شقة... وكنت أعرف أننا على خطأ جسيم... ولكنني كنت أعرف عددًا من الفتيات من بنات وطني يفعلن مثلي، فكثيرات هن اللاتي يأتين لممارسة العري والفحش... كنت أشعر بالذل لكثير من المشاهد والمواقف المؤسفة... كنت أرى الكثير من الفتيات يبحثن عن صديق يشاركهن السهر والرقص... وكنت من بين هؤلاء... وكنت أشعر أن الكثيرين ينظرون إلينا نظرة احتقار لما نحن فيه من إقبال على الشهوات... كنت أبحث عن والدتي؛ لأبث لها همومي ورغبتي الأكيدة في العودة... كنت لا أراها في البيت... وكانت تأتي متأخرة حيث تقضي الليل خارج البيت وتأتي في الصباح... وكانت تأتي متعبة لا ترغب في الحديث مع أحد... شعرت بأنني أواجه همومًا كالجبال... وضاقت علي نفسي بسبب إهمال والدتي لي، وعدم سماعها لما يخالج نفسي... عدت مرة أخرى للهو والعبث... عدت لأنتقم مما أنا فيه... ذهبت لأحد الملاهي الشعبية في ملابس شبه عارية... جعلت أرقص وأتلوى يمينًا وشمالاً لمدة طويلة... ثم أمسكت (بالميكروفون) وجعلت أغني، وطلبت من الجمهور أن يختاروا أي أغنية لأغنيها لهم... رأيت أحد الشباب يخرج من بين الجمهور ويتجه نحوي... أقبل علي بغضب، ولطمني بقوة... سحبني من خشبة المسرح، وعاتبني لما صنعت... شعرت بأن الدنيا تدور بي، وجعلت الذكريات تطوف بي وتشدني إلى الوراء... شعرت بأن أخطائي تراكمت حتى أصبحت كالجبال... كنت نكسة لأمتي، ووطني، وديني...لامني الشاب، وسترني ببعض ما لديه من ملابس، وغادرت معه حيث أوصلني إلى المنزل... كثيرًا ما لامني، وأنا في السيارة... وشعرت بكلماته تنهال علي كالصواعق المحرقة... كانت صدمة اهتزت لها نفسي، واستيقظت معها جوارحي وعاد دفء الحياة لقلبي... شعرت بالندم يجتاح كياني، ودخلت منزلي منكسرة ذليلة... جلست في غرفتي أتأمل هذا الضياع الذي وصلنا إليه... بكيت كثيرًا حرقة، وألمًا على الذنوب، والآثام... عزمت على التوبة فاغتسلت، وتوضأت، وصليت... شعرت ببرد اليقين يتسلل إلى صدري... علمت أمي بذلك ورأتني في البيت محتشمة، فذهلت وسألتني عن الخبر... جلست أناقشتها، وأبث لها همومي، وجعلت أستعرض معها ما نحن فيه... بينت لها أننا نسير في الطريق الخطأ... مَرَضت أيامًا، وفكرت كثيرًا فيما نحن فيه، فهداها الله للقرار الصائب... عدنا للوطن، ووصلنا البيت وقد عزمنا على التغيير... رأى والدي ما نحن فيه فندم على تفرطيه... فكر كثيرًا في حقنا الذي ضيعه في التربية والبناء... ندم على ذلك أشد الندم... رجع إلى بيته ليصلحه من جديد... وشاء الله تعالى أن يتقدم لخطبتي شاب صالح زادني الله على يديه هدى وتقى.
كانت فاتحة زواجنا أداء عمرة في رحاب بيت الله... وشعرت هناك بأني إنسانة جديدة... وأدركت كم كنت تائهة بعيدة عن الحق... بكيت كثيرًا قرب الكعبة، ودعوت الله أن يغفر لنا سالف عملنا، وأن لا يضلنا بعد إذ هدانا إليه.
كانت تجربة مريرة مررنا بها... ولكن رحمة الله تداركتنا جميعًا حيث أصبحت عائلتنا بأكملها تغدُّ الخطى نحو الهدى، وتنهل من كتاب الله تعالى، وتسير على هدي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم... فحمدًا لله على هذا... وحذار يا فتيات وطني أن تقعن فيما وقعت فيه (مذكرات فتاة، محمد بن عبد العزيز الحميدي ص: 39-43) !!.
مختارات