فقه الإيمان بالله (٢١)
والله تبارك وتعالى يغفر كل شيء من الذنوب إلا الشرك كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (٤٨)} [النساء: ٤٨].
ويغفر سبحانه ذنوب المؤمنين المسرفين على أنفسهم مهما كانت كما قال سبحانه: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣)} [الزمر: ٥٣].
والشرك بالله ليس ذنباً فقط.
بل هو فوق الذنوب جميعاً.
فالذنب يقتضي أن تكون مؤمناً بمنهج وخالفته، ولكن الشرك هو عدم إيمان بالمنهج أصلاً.
فلفظ الذنب لا ينطبق على المشرك، لأن المشرك ليس مؤمناً بمنهج الله.
وشرط الذنب الذي يغفره الله أن يكون هناك إيمان ومخالفة، ثم ندم وتوبة، والكافر والمشرك لا يندم ولا يتوب، لأنه لا منهج له، فإذا مات على ذلك فليس له عند الله إلا النار: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (٧٢)} [المائدة: ٧٢].
وأساس الدين وأصله وقاعدته التي بني عليها هو الإيمان بالله عز وجل، واليقين على ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وخزائنه، ووعده ووعيده.
وجميع الأعمال والعبادات مبناها وقبولها مبني على هذ الأصل العظيم.
فإذا حصل للعبد هذا الإيمان جاءت عنده قوة الطاعات، وقوة الرغبة في امتثال أوامر الله، وحلاوة مناجاة الله.
وبذلك يرضى الله عزَّ وجلَّ، وتصلح أحوال الأمة كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢)} [فصلت: ٣٠ - ٣٢].
وإذا ضعف هذا الإيمان ونقص، ضعفت الأعمال والعبادات، وساءت الأخلاق، فكثرت المعاصي، وقلت الطاعات، فساءت الأحوال، وجاءت المصائب نقداً: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)} [الشورى: ٣٠].
وحتى يأتي الإيمان في حياتنا ويزيد لا بد من العلم بأمور:
الأول: أن نعلم ونتيقن أن خالق كل شيء هو الله وحده لا شريك له: فخالق العرش والكرسي هو الله.
وخالق السماء والأرض هو الله.
وخالق الشمس والقمر هو الله.
وخالق النجوم والكواكب هو الله.
وخالق البحار والجبال هو الله.
وخالق الإنسان والحيوان والجماد والنبات هو الله.
وخالق الجنة هو الله.
وخالق النار هو الله.
وخالق الدنيا والآخرة هو الله: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢)} [الزمر: ٦٢].
نتكلم بذلك، ونسمعه، ونفكر به، ونذكر الخالق في كل وقت، وننظر في الآيات الكونية والآيات القرآنية نظر اعتبار وتفكر حتى يرسخ الإيمان في قلوبنا، وقد أمرنا الله بذلك كما قال سبحانه: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠١)} [يونس: ١٠١].
وقال سبحانه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤)} [محمد: ٢٤].
فكما نستخدم الإنسان كله لتحصيل المال كذلك نستخدم طاقات الإنسان كلها لتحصيل الإيمان:
فكر ونظر.
وعلم وعمل.
وعبادة ودعوة.
الثاني: أن نعلم ونتيقن أن الله عزَّ وجلَّ خلق جميع المخلوقات، وخلق فيها الأثر، فخلق العين وخلق فيها الأثر وهو البصر، وخلق الأذن وخلق فيها السمع، وخلق الشمس وخلق فيها الأثر وهو النور، وخلق النار وخلق فيها الأثر وهو الإحراق، وخلق الشجر وخلق فيها الأثر وهو الثمر، وخلق الإنسان وخلق فيه الأثر وهو العمل وهكذا.
فالله خالق كل شيء: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)} [الصافات: ٩٦].
الثالث: أن نعلم ونتيقن أن الذي يملك جميع المخلوقات ويتصرف فيها ويدبرها هو الذي خلقها وهو الله وحده لا شريك له.
فكل ما في العالم العلوي ومافي العالم السفلي من الخلائق كلهم عبيد لله فقراء إلى الله، لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعاً ولا ضراً، ولا يملكون موتاً ولا حياةً ولا نشوراً.
فالله مالكهم.
وهم محتاجون إليه.
وهو غني عنهم.
وهو سبحانه الذي يصرف الكون، ويدبر جميع أمور خلقه، فالذي يتصرف في السموات والأرض، وفي البحار والجبال، وفي النبات والحيوان، وفي الملائكة والإنس والجن، وفي الرؤساء والوزراء، وفي الأغنياء والفقراء، وفي الأقوياء والضعفاء وغيرهم هو الله وحده لا شريك له الذي له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
وهو سبحانه الذي يتصرف بحكمته وعلمه وقدرته كيف يشاء.
فقد يخلق الشيء ويسلب أثره بقدرته، فقد توجد العين ولا تبصر، والأذن ولا تسمع، واللسان ولا يتكلم، والدماغ ولا يعقل.
والبحر يغرق بأمر الله، وقد يرفع الله عنه أمر الإغراق فلا يغرق.
كما أنجى الله موسى وقومه من الغرق، وأغرق فرعون وقومه في بحر واحد، وفي آن واحد، وبأمر واحد.
والنار تحرق بأمر الله، وقد يسلبها الله إذا شاء أمر الإحراق فتشتعل ولا تحرق كما حصل لإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - لما ألقي في النار، فجاء أمر الله: {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (٦٩)} [الأنبياء: ٦٩].
فالله على كل شيء قدير ينجي بأسباب الهلاك كما أنجى إبراهيم وموسى، ويُهلك بأسباب النجاة كما حصل لفرعون وقارون، لأنه المالك الذي يتصرف في الخلق كيف يشاء لا إله إلا هو الواحد القهار.
مختارات

