الموعظة الثانية عشرة
الموعظة الثانية عشرة
عن زائدة رحمه الله قال: «صليتُ ذات ليلة مع أبي حنيفة رحمه الله في مسجده العشاء وخرج الناس، ولم يعلم أن في المسجد أحدًا، فأردت أن أسأله عن مسألة، فقام يصلي من الليل، فافتتح الصلاة فقرأ حتى بلغ قوله تعالى: " فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ " [الطور: 27] فلم يزل يرددها حتى أذن المؤذن لصلاة الصبح !! وأنا ما زلت أنتظره»(كتاب إقامة الحجة – للكنوي -) !!.
يا عين فلتبك ولتذرفي الدمعا ذنبًا أحاط القلب أصغى له
أين الدموع على الخدين قد فالنفس للعصيان يا رب قد
هل يا ترى أصحو من سكرة أم يا ترى أبقى في هوة
كيف القدوم على الجبار أم كيف ألقاه من دونما عمل
قلبي لما يلقاه قد أن دمعي جفا عيني من قلة
لكن من أرجوه لا يغلق العفو يا رباه فالقلب قد تابا
اشترى العبد الصالح أبو عبد الله النباحي رحمه الله جارية سوداء للخدمة، فلما صارت عنده في منزله قالت له: أتقرأ شيئًا من القرآن؟ !! فقال لها: نعم. فقالت: اقرأ عليَّ، فقرأ عليها، فقالت: يا مولاي، هذه لذة الخبر، فكيف لذة النظر؟! فلما جنَّ عليها الليل وطأ أبو عبد الله لنفسه فراشًا للنوم، فقالت: أما تستحي من مولاك؟! إنه لا ينام وأنت تنام؟ !! (أي أنه ينبغي لك أن تكون في عبادة وفي عمل، يقربك منه حتى يغلبك النوم، لا أن تتكلف النوم وتتطلبه طلبًا) ثم أنشدت:
عجبًا للمحب كيف ينام جوف ليل وقلبه مستهام
إن قلبي وقلب من كان مثلي طائران إلى مليك الأنام
فأرض مولاك إن أردت نجاةً وتجاف عن اتباع الحرام
قال: ثم قامت ليلتها تصلي لله حتى طلع الفجر (كتاب الصلاة والتهجد – لابن خراط -).
قال إبراهيم بن الأشعث رحمه الله تعالى: «سمعت العبد الصالح الفضيل بن عياض رحمه الله ذات ليلة وهو يقرأ سورة محمد ويبكي ويردد قوله تعالى: " وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ " ويقول: وتبلو أخبارنا يا رب؟ !! إن بلوت أخبارنا فضحتنا وهتكت أستارنا !! إنك إن بلوت أخبارنا أهلكتنا وعذبتنا !! ثم يبكي بكاءً شديدًا (كتاب حلية لأولياء – لأبي نعيم -).
عباد الله: تدبروا العواقب، واحذروا قوة وبطش المعاقب ؛ فإنه مطلع ومراقب، وهو والله طالب غالب.
فيا مشغولاً بالقصور يعمرها، ولا يفكر في القبور ولا يذكرها، يبيت الليالي في فكر الدنيا بسهرها، ويجمع الأموال إلى الأموال يثمرها !! وقع في أشراك المنايا وهو لا يبصرها، أفٍّ لدنيا هذا آخرها !! وآهٍ لأخرى هذا أولها " وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا " [المنافقون: 11] (كتاب التبصرة – لابن الجوزي -).
مختارات