" الغيـــرة "
" الغيـــرة "
#### الترغيب في الغيرة:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه) [رواه البخارى].
(معناه: أن الله يغار إذا انتهكت محارمه، وليس انتهاك المحارم هو غيرة الله؛ لأن انتهاك المحارم فعل العبد، ووقوع ذلك من المؤمن أعظم من وقوعه من غيره. وغيرة الله تعالى من جنس صفاته التي يختص بها، فهي ليست مماثلة لغيرة المخلوق، بل هي صفة تليق بعظمته، مثل الغضب، والرضا، ونحو ذلك من خصائصه التي لا يشاركه الخلق فيها) [شرح كتاب التوحيح من صحيح البخارى،لعبد الله الغنيمان].
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن يغار، والله أشد غيرًا) [رواه مسلم].
#### أقوال السلف والعلماء في الغَيْرة:
- كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: (لا تكثر الغَيْرة على أهلك فتُرمى بالسوء من أجلك) [ذكره الغزالى فى إحياء علوم الدين].
- وقال إسماعيل بن خارجة الفزاري وهو يوصي ابنته: (... وإياك والغيرة؛ فإنها مفتاح الطلاق) [أدب النساء الموسوم بكتاب العناية والنهاية].
- وقال أبو الأسود لابنته: (إياك والغَيْرة فإنها مفتاح الطلاق، وعليك بالزينة، وأزين الزينة الكحل؛ وعليك بالطيب، وأطيب الطيب إسباغ الوضوء) [عيون الأخبار،لابن قتيبة].
- وقال ابن القيم: (إن أصل الدين الغَيْرة، ومن لا غيرة له لا دين له، فالغَيْرة تحمي القلب فتحمي له الجوارح، فتدفع السوء والفواحش، وعدم الغَيْرة تميت القلب، فتموت له الجوارح؛ فلا يبقى عندها دفع البتة، ومثل الغَيْرة في القلب مثل القوة التي تدفع المرض وتقاومه، فإذا ذهبت القوة وجد الداء المحل قابلًا، ولم يجد دافعًا، فتمكَّن، فكان الهلاك، ومثلها مثل صياصي الجاموس التي تدفع بها عن نفسه وولده، فإذا تكسرت طمع فيها عدوه) [الجواب الكافى].
#### من فوائد الغَيْرة:
1- الغَيْرة دليل على قوة الإيمان بالله.
2- خصلة يحبها الله سبحانه وتعالى.
3- هي السياج المعنوي لحماية الحجاب، ودفع التبرج والسفور والاختلاط [حراسة الفضيلة،لأبى بكر زيد].
4- الغَيْرة تحمي القلب فتحمي له الجوارح، فتدفع السوء والفواحش، وعدم الغَيْرة تميت القلب، فتموت له الجوارح؛ فلا يبقى عندها دفع البتة [الجواب الكافى].
5- هي من الأسباب الدافعة لإنكار المنكر.
#### أقسام الغَيْرة:
أولًا: أقسام الغيرة من حيث كونها غيرة للمحبوب أو عليه:
قسَّم ابن القيم الغَيْرة إلى نوعين: (غيرة للمحبوب، وغيرة عليه.
1- فأما الغَيْرة له: فهي الحمية له، والغضب له، إذا استهين بحقه وانتقصت حرمته، وناله مكروه من عدوه؛ فيغضب له المحب ويحمى، وتأخذه الغَيْرة له بالمبادرة إلى التغيير، ومحاربة من آذاه، فهذه غيرة المحبين حقًّا، وهي من غيرة الرسل وأتباعهم لله ممن أشرك به، واستحلَّ محارمه، وعصى أمره، وهذه الغَيْرة هي التي تحمل على بذل نفس المحب وماله وعرضه لمحبوبه؛ حتى يزول ما يكرهه، فهو يغار لمحبوبه أن تكون فيه صفة يكرهها محبوبه ويمقته عليها، أو يفعل ما يبغضه عليه، ثم يغار له بعد ذلك أن يكون في غيره صفة يكرهها ويبغضها، والدين كله في هذه الغَيْرة، بل هي الدين، وما جاهد مؤمن نفسه وعدوه، ولا أمر بمعروف ولا نهى عن منكر إلا بهذه الغَيْرة، ومتى خلت من القلب خلا من الدين؛ فالمؤمن يغار لربه من نفسه ومن غيره إذا لم يكن له كما يحبُّ، والغَيْرة تصفي القلب، وتخرج خبثه كما يخرج الكير خبث الحديد.
2- وأما الغَيْرة على المحبوب فهي: أنفة المحب وحميته أن يشاركه في محبوبه غيره. وهذه أيضًا نوعان: غيرة المحب أن يشاركه غيره في محبوبه، وغيرة المحبوب على محبه أن يحب معه غيره) [روضة المحبين ونزهة المشتاقين].
ثانيًا: أقسام الغيرة من حيث كونها محمودة أو مذمومة:
قال ابن القيم: (وغيرة العبد على محبوبه نوعان:
1- غيرة ممدوحة يحبها الله.
2- وغيرة مذمومة يكرهها الله.
فالتي يحبها الله: أن يغار عند قيام الريبة.
والتي يكرهها: أن يغار من غير ريبة، بل من مجرد سوء الظن، وهذه الغَيْرة تفسد المحبة، وتوقع العداوة بين المحب ومحبوبه. وفي المسند وغيره عنه قال: (الغَيْرة غيرتان: فغيرة يحبها الله، وأخرى يكرهها الله، قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الغَيْرة التي يحب الله؟ قال: أن تؤتى معاصيه، أو تنتهك محارمه، قلنا: فما الغَيْرة التي يكره الله؟ قال: غيرة أحدكم في غير كنهه) [رواه الخرائطى فى اعتلال القلوب] [روضة المحبين].
(وكما يجب على الرجل أن يغار على زوجته وعرضه؛ فإنه يطلب منه الاعتدال في الغَيْرة، فلا يبالغ فيها حتى يسيء الظن بزوجته، ولا يسرف في تقصي حركاتها وسكناتها؛ لئلا ينقلب البيت نارًا، وإنما يصح ذلك إن بدت أسباب حقيقية تستدعي الريبة) [خلق المؤمن،لمصطفى مراد] قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ من الغَيْرة ما يحبُّ الله، ومنها ما يكره الله؛ فالغَيْرة التي يحبُّها الله الغَيْرة في الريبة، والغَيْرة التي يكرهها الله الغَيْرة في غير ريبة) [حسنه ابن حجر فى تخريج مشكاة المصابيح،واللبانى فى صحيح سنن النسائى].
وقد نهى النبي صلي الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلًا يتخونهم، ويطلب عثراتهم [رواه البخارى ومسلم واللفظ له].
ويمكن إجمال أسباب الغَيْرة المذمومة في ضعف الإيمان، ووسوسة الشيطان، وما يعتري القلب من أمراض إلى غير ذلك.
ويترتب على هذه الغيرة المذمومة أمور منها: الوقوع في الغيبة والتلبس بالسخرية، وترك بذل الخير للآخرين، السعي في الإضرار بالغير، ومعاداة أقارب الزوج وهضم حقوقهم، والحسد، والحقد، والسحر، والتجسس، والآلام النفسية، والأمراض البدنية، والاحتيال والكيد، والقتل، وقد تصل الغيرة المذمومة بصاحبها إلى الكفر والعياذ بالله.
وتتلخص معالجة الغيرة المذمومة في تقوى الله تعالى، ومطالعة الأجر العظيم للصابرين، وإحسان الظن، والقناعة، والبعد عن مجالس السوء، وذكر الموت وتقوية الإيمان باليوم الآخر، والدعاء، وفي الحديث أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لأمِّ سلمة لما ذكرت من غيرتها: (وأدعو الله أن يذهب بالغَيْرة) [رواه مسلم].
#### من أسباب ضعف الغَيْرة:
1- ضعف الإيمان:
يشير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن الغيرة لا تكون إلا من مؤمن بقوله: (إن الله يغار وإن المؤمن يغار) [رواه البخارى ومسلم واللفظ له] فحياة القلب بالإيمان تجعل الإنسان غيورًا، وبقدر إيمانه تكون غيرته، وإذا ضعف الإيمان ضعفت الغيرة.
2- كثرة الذنوب:
قال ابن القيم: (ومن عقوبات الذنوب: أنها تطفئ من القلب نار الغَيْرة، التي هي لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن؛ فالغَيْرة حرارته وناره التي تُخرج ما فيه من الخبث، والصفات المذمومة) [الجواب الكافى].
3- الجهل:
فمن أسباب ضعف الغيرة الجهل بأهمية الغيرة، وخطورة غيابها، فضدُّ الغيرة الدياثة، وضد الغيور الديوث، كذلك الجهل بعظم المسؤولية تجاه الأهل؛ فالرجل محاسب ومسؤول يوم القيامة عن رعيته ومن تحت رعايته.
4- وسائل الإعلام الفاسدة:
إن لوسائل الإعلام دورًا كبيرًا في إفساد الناس: كالإذاعة، والتلفاز، والصحف، والشبكة العنكبوتية، وغيرها، فالكثير من هذه الوسائل مليء بالأغاني الفاحشة، والصور الخليعة، والمسلسلات الماجنة التي اعتاد الناس مشاهدتها، وغرس قيم وأخلاق لا تمت للإسلام ولا للمسلمين بصلة، فأخذ خلق الغَيْرة يضعف شيئًا فشيئًا.
#### الوسائل المعينة على اكتساب الغَيْرة [انظر:الغيرة على المرأة، لعبد الله المانع]
يمكن أن تنمَّى الغَيْرة بأمور كثيرة ومنها:
1- تربية الأولاد على الغَيْرة، وغرس هذا الخلق في نفوسهم.
2- الابتعاد عن أسباب ضعف الغيرة، كالقنوات الفضائية الماجنة، والمجلات الهابطة، وغيرها من وسائل الهدم.
3- الرجوع إلى قيم الدين وغرسها في نفوس الناس.
4- التأكيد على دور الرجل.
5- توعية المجتمع توعية شاملة بجميع وسائل الإعلام، والخطب والمحاضرات.
6- تعظيم قدر الأعراض، وبيان خطورة ضياعها.
#### نماذج من غيرة الأنبياء عليهم السلام:
غيرة موسى عليه السلام:
- قال الله تعالى: " وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى " [طه: 9-10].
قال ابن عباس وغيره: (هذا حين قضى الأجل وسار بأهله، وهو مقبل من مدين يريد مصر، وكان قد أخطأ الطريق، وكان موسى عليه السلام رجلًا غيورًا: يصحب الناس بالليل ويفارقهم بالنهار غيرة منه، لئلا يروا امرأته فأخطأ الرفقة لما سبق في علم الله تعالى، وكانت ليلة مظلمة) [ذكره القرطبى فى الجامع أحكام القرآن].
#### نماذج من غيرة النبي صلى الله عليه وسلم:
- غيرته على حرمات الله: النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس غيرة لله، فكان يغضب إذا انتهكت حرمات الله، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء يؤتى إليه، حتى ينتهك من حرمات الله، فينتقم لله) [رواه البخارى] والنماذج والصور على غيرته على محارم الله كثيرة جدًّا.
- غيرته على نسائه: كان أعدل البشر غيرة على نسائه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجل قاعد، فاشتدَّ ذلك عليه، ورأيت الغضب في وجهه، قالت: فقلت: يا رسول الله، إنَّه أخي من الرضاعة، قالت: فقال: انظرن إخوتكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة) [رواه البخارى ومسلم].
قال الحافظ بن حجر: (والمعنى: تأملن ما وقع من ذلك، هل هو رضاع صحيح بشرطه من وقوعه في زمن الرضاعة ومقدار الارتضاع؟ فإنَّ الحكم الذي ينشأ من الرضاع؛ إنما يكون إذا وقع الرضاع المشترط. قال المهلب: معناه انظرن ما سبب هذه الأخوة؛ فإنَّ حرمة الرضاع، إنما هي في الصغر، حتى تسد الرضاعة المجاعة) [فتح البارى].
#### نماذج من غيرة الصحابة:
- غيرة عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم:
- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما أتاه ذو الخويصرة - وهو رجل من بني تميم - فقال: يا رسول الله، اعدل، فقال: ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل؟! قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال عمر: يا رسول الله، ائذن لي فيه فأضرب عنقه، فقال: دعه؛ فإنَّ له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فما يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه - وهو قدحه - فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتهم: رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر، ويخرجون على حين فرقة من الناس) [رواه البخارى ومسلم].
- غيرة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم:
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: استأذن رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم. فقالت عائشة: بل عليكم السام واللعنة،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة، إنَّ الله يحبُّ الرِّفق في الأمر كلِّه،قالت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: قد قلت: وعليكم) [رواه البخارى ومسلم].
غيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
- عن عبد الله بن عمرو بن العاص: (أن نفرًا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس، فدخل أبو بكر الصديق، وهي تحته يومئذ، فرآهم، فكره ذلك، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: لم أرَ إلا خيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله قد برأها من ذلك، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: لا يدخلنَّ رجل، بعد يومي هذا، على مغيبة، إلا ومعه رجل أو اثنان) [رواه مسلم].
غيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
- كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أعظم الصحابة غيرة على النساء، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم غيرته في الرؤيا التي رأى فيها قصر عمر بن الخطاب في الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر، فذكرت غيرته، فوليت مدبرًا، فبكى عمر، وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟!) [رواه البخارى ومسلم واللفظ للبخارى].
غيرة عائشة رضي الله عنها:
- فعن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدَّثت، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلا، قالت: فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: (ما لك؟ يا عائشة ! أغرت؟ فقلت: ومالي لا يغار مثلي على مثلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقد جاءك شيطانك؟. قالت: يا رسول الله ! أو معي شيطان؟ قال: نعم، قلت: ومع كل إنسان؟ قال: نعم، قلت: ومعك؟ يا رسول الله! قال: نعم، ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم) [رواه مسلم].
مختارات