الموعظة الحادية عشرة
الموعظة الحادية عشرة
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: سبحان الله رب العالمين! لو لم يكن في ترك الذنوب والمعاصي إلا إقامة المروءة، وصون العرض، وحفظ الجاه، وصيانة المال الذي جعله الله قوامًا لمصالح الدنيا والآخرة، ومحبة الخلق، وجواز القبول بينهم، وصلاح المعاش، وراحة البدن، وقوة القلب، وطيب النفس، ونعيم القلب، وانشراح الصدر، والأمن من مخاوف الفساق والفجار، وقلة الهم والغم والحزن، وعز النفس عن احتمال الذل، وصون نور القلب أن تطفئه ظلمة المعصية وحصول المخرج له مما ضاق على الفساق والفجار، وتيسير الرزق عليه من حيث لا يحتسب، وتيسير ما عسر على أرباب الفسوق والمعاصي، وتسهيل الطاعات عليه، وتيسير العلم والثناء الحسن في الناس، وكثرة الدعاء له، والحلاوة التي يكتسبها وجهه، والمهابة التي تلقى له في قلوب الناس، وانتصارهم وحميتهم له إذا أوذي أو ظُلم، وذبهم عن عرضه إذا اغتابه مغتاب، وسرعة إجابة دعائه، وزوال الوحشة التي بينه وبين الله، وقرب الملائكة منه، وبعد شياطين الإنس والجن عنه، وتنافس الناس على خدمته وقضاء حوائجه، وخطبتهم لمودته وصحبته، وعدم خوفه من الموت!! بل يفرح به لقدومه على ربه، ولقائه له، ومصيره إليه، وصغر الدنيا في قلبه، وكبر الآخرة عنده، وحرصه على الملك الكبير، والفوز العظيم فيها، وذوق حلاوة الطاعة، ووجد حلاوة الإيمان، ودعاء حملة العشر ومن حوله من الملائكة له، وفرح الكاتبين به، ودعائهم له في كل وقت، والزيادة في عقله وفهمه، وإيمانه ومعرفته وحصول محبة الله له، وإقباله عليه، وفرحه بتوبته، وهكذا يجازيه بفرح وسرور لا نسبة له إلى فرحه وسروره بالمعصية بوجه من الوجوه !! فهذه بعض آثار ترك المعاصي في الدنيا، فإذا مات (أي العبد الصالح) تلقته الملائكة بالبشرى من ربه بالجنة، وبأنه لا خوف عليه ولا حزن، وينتقل من سجن الدنيا إلى روضة من رياض الجنة، ينعم فيها إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة كان الناس في الحر والعرق، وهو في ظل العرش، وإذا انصرفوا من بين يدي الله أخذ به ذات اليمين مع المتقين وحزبه المفلحين!! }ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{ [الجمعة: 4] (كتاب الفوائد – لابن القيم -).
قال أبو نواس، رحمه الله تعالى:
أفنيت عمرك والذنوب تزيدُ والكتاب المحصي عليك شهيد
كم قلت: لست بعائد في ونذرت فيها ثم صرت تعود
حتى متى لا ترعوي عن لذةٍ وحسابها يوم الحساب شديد (ديوان أبي نواس)
أخي: يا قليل النظر في أمره! يا غافلاً عن ذكر قبره !! أما نقل الموت واحدًا واحدًا، وها هو قد أضحى نحوك قاصدًا، كم سلب ولدًا وأخذ والدًا !! إلى متى تصبح جاهلاً وتمسي ماردا؟! وعن طريق الهدى حائدًا؟!! وتحث على النهوض وما تبرح قاعدا !! متى يذوب دمع ما يزال جامدًا؟! يا من إذا قاربه النصح أضحى متباعدًا !! لقد نظرت لنفسك نظرًا فاسدًا !! يا نائمًا عن خلاصه راقدًا !! متى نراك لربك ساجدًا؟! متى تكون لمولاك عابدًا؟ ! متى تكون في درب الخير قائدًا (كتاب التبصرة – لابن الجوزي -)؟!
مختارات