الموعظـة الثانيـة
الموعظة الثانية
اعلم أيها الأخ الحبيب: أنَّ من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن عمل لدينه كفاه الله أمر دنياه، ومن أحسن فيما بينه وبين الله أحسن الله فيما بينه وبين الناس (من كلام علي بن أبي طالب رضى الله عنه)، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله وهو يتحدث عن انكسار القلب وخضوعه لله تعالى: «ليس شيء أحب إلى الله تعالى من هذه الكسرة والخضوع والتذلل والإخبات والانطراح بين يديه سبحانه، والاستسلام له، فما أقرب الجبر من هذا القلب المكسور! وما أدنى النصر، والرحمة والرزق منه!! وأحبُّ القلوب إلى الله سبحانه قلب قد تمكنت منه هذه الكسرة، وملكته هذه الذلة!!
وهذه الذلة والكسرة الخاصة تدخله على الله تعالى وترميه على طريق المحبة، فيفتح له منها باب لا يفتح له من غير هذه الطريق، وإن كانت سائر الأعمال والطاعات تفتح للعبد أبوابًا من المحبة، لكن الذي يفتح منها من طريق الذل والانكسار والافتقار وازدراء النفس ورؤيتها «أي بالنسبة لحق الله» بعين الضعف والعجز والعيب والنقص والذم- نوع آخر، وفتح آخر، والسالك بهذه الطريق غريب عن الناس، وهم في واد وهو في واد، فالله المستعان وهو خير الغافرين»(كتاب مدارج السالكين – لابن القيم -).
يقول الأوزاعي: «خرج الناس يستسقون وفيهم العبد الصالح بلال بن سعد، فقال: يا معشر الناس!! ألستم تقرون بالإساءة وتعترفون بالذنب؟!! فقال الناس جميعًا: نعم!!! فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إنك قلت: }مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ { وكلنا نقرُّ لك بالإساءة !! فاغفر لنا واسقنا الغيث!! فسقاهم الله وخرجوا يمشون في المطر »(كتاب حلية الأولياء للأصفهاني).
قال العبد الصالح بكر بن عبد الله المزني رحمه الله: «يا ابن آدم، من مثلك؟! إذا شئت أن تدخل على مولاك بغير إذن، وتكلمه بغير ترجمان دخلت؟!! قيل: وكيف ذلك؟! فقال: تسبغ الوضوء وتدخل محرابك! فإذا أنت قد دخلت على مولاك بغير إذن، وتكلمه بلا ترجمان» (كتاب إحياء علوم الدين للغزالي).
فيا أيها الأخ الحبيب: الدنيا سموم قاتلة، والنفوس عن مكائدها غافلة، كم من نظرة تحلو في العاجلة مرارتها لا تطاق في الآجلة! يا ابن آدم، قلبك قلب ضعيف، ورأيك في إطلاق الطرف رأي سخيف. يا طفل الهوى، متى يؤنس منك رشد؟! عينك مطلقة في الحرام، ولسانك مهمل في الآثام!! وجسدك يتعب في كسب الحُطام !! كم نظرة محتقرة زلت بها الأقدام ! (كتاب التبصرة لابن الجوزي).
مختارات