شرح ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم
(يَنْفُثُ عَن يَسارِهِ) (ثَلاثاً).
(يستعيذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، ومِنْ شَرِّ مَا رَأَى) (ثَلاثَ مَرَّاتٍ).
(لَا يُحَدِّثُ بِهَا أحَداً)
صحابي الحديث هو أبو قتادة بن رِبْعي، قيل: اسمه الحارث، وقيل:عمرو رضى الله عنه.
والحديث بتمامه؛ هو قوله صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ، وليتعوذ بالله من شرها، فإنها لن تضره).
وفي رواية أخرى: (الرؤيا الصالحة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب، فلا يحدث به إلا من يحب، وإن رأى ما يكره فلا يحدث به، وليتفل عن يساره ثلاثاً، وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من شر ما رأى؛ فإنها لن تضره).
(يتحَوَّلُ عَنْ جَنْبِهِ الذي كَانَ عَلَيْهِ)
صحابي الحديث هو جابر بن عبدالله رضى الله عنهما
والحديث بتمامه؛ هو قولهصلى الله عليه وسلم: (إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها، فليبصق عن يساره ثلاثاً، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه).
(يَقومُ يُصَلِّي إنْ أرَادَ ذَلِكَ)
صحابي الحديث هو أبو هريرة رضى الله عنه.
والحديث بتمامه؛ هو قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءاً من النبوة، والرؤيا ثلاث: [فالرؤْيا] الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يُحدِّثُ المرء نفسه؛ فإن رأى أحدكم ما يكره، فليقم فليصل، ولا يُحدِّثُ بها الناس).
قوله:(الرؤيا من الله) الرؤيا كالرؤية، جعل ألف التأنيث فيها مكان تاء التأنيث، للتفريق بين ما يراه في المنام، وبين ما يراه في اليقظة، والحُلم عند العرب يستعمل استعمال الرؤيا؛ ولكن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما، فجعل الرؤيا من الله – تعالى – والحُلم من الشيطان، كأنه كره أن يسمي ما كان من الله – تعالى – وما كان من الشيطان باسم واحد، فجعل الرؤيا عبارة عن القسم الصالح، لـِمَا في صيغة لفظها من الدلالة على مشاهدة الشيء بالبصر، أو البصيرة، وجعل الحُلم عبارة عما كان من الشيطان؛ لأن أصل الكلمة لم تستعمل إلا فيما يخيل إلى الحالم في منامه، ولهذا خص الاحتلام بما يخيل إلى المحتلم في منامه من قضاء الشهوة، وذلك بما لا حقيقة له.
هذا إن أتت الرؤيا غير مقيدة، أما إذا جاءت مقيدة، كقوله: (الرؤيا يكرهها) أو قوله: (الرؤيا ثلاث...)، فهذا يرجع إلى استعمال العرب ولا كراهة فيه، والله أعلم.
قوله: (فإذا رأى أحدكم الرؤيا..) إلى آخره؛ تفسير للحلم؛ لأن الحلم هو المكروه، والرؤيا هي المحبوبة.
قوله: (فلينفث عن يساره) النفث نفخ لطيف قد يصاحبه شيء قليل من الريق. وإنما أمر أن ينفث عن اليسار؛ لأن الشيطان يأتي ابن آدم من قبل اليسار ليوسوس له في قلبه، والقلب قريب من جهة اليسار، فيأتي الشيطان من جهته القريبة.
قوله: (من شرها) الضمير راجع إلى الرؤيا المكروهة.
وفيها ثلاثة أوامر:
الأول: البصق عن اليسار؛ وذلك ترغيماً للشيطان، وزجراً له.
والثاني: الاستعاذة بالله ليأمن من شره، ووسواسه.
والثالث: التحول عن جنبه الذي كان عليه حين رأى الرؤيا المكروهة، تفاؤلاً بالقلب من جنب إلى جنب للتحول من هذه الحالة المسيئة إلى الحالة المسرة، كتقليب الرداء في صلاة الاستسقاء، والله أعلم.
قوله: (لا يحدث بها الناس) قيل: إنه إذا حدث بها رُبَّما تُفسر تفسيراً مكروهاً على ظاهر صورتها، ويكون محتملاً لوقوعها كذلك بتقدير الله تعالى.
واستثنى من ذلك الرؤيا المحبوبة؛ فإنه يحدث بها من يحب؛ لعله يجد تفسيراً يزيده اطمئناناً وتفاؤلاً وسعادة.
وأما قوله: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب) قيل: المراد إذا قارب الزمان أن يعتدل ليله ونهاره، وقيل: إذا قارب وقت القيامة.
قوله: (وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً) ظاهره على إطلاقه في كل زمان؛ لأن غير الصادق في حديثه يتطرق الخلل إلى رؤياه وحكايته إياها، وقيل: إن هذا يكون في آخر الزمان عند انقطاع العلم وموت العلماء والصالحين.
والأول أظهر وأقوى.
قوله: (ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءاً من النبوة) وهذا الجزء من النبوة؛ وهو الإخبار بالغيب إذا وقع لا يكون إلا صدقاً.
قال الخطابي رحمه الله: (هذا الحديث توكيد لأمر الرؤيا وتحقيق منزلتها).
وقال بعض العلماء: (معنى الحديث أن الرؤيا تأتي على موافقة النبوة؛ لأنها جزء باق من النبوة)، والله أعلم.
مختارات