الآفة الثانية عشرة - ضعف أو تلاشى الالتزام
الآفة الثانية عشرة التي يبتلى بها نفر من العاملين وتكون ذا أثر خطير عليهم وعلى العمل الإسلامي إنما هي:ضعف أو تلاشى الالتزام، وحتى نسهم في اقتلاع هذه الآفة من النفوس التي ابتلت بها وحتى نحمى النفوس الأخرى التي عافاها الله عز وجل منها فإنه لا بد من تقديم تصور واضح أو قريب من الواضح عنها وذلك على النحو التالي: أولاً: مفهوم ضعف أو تلاشى الالتزام: ضعف أو تلاشى الالتزام لغة: يطلق الالتزام في اللغة على عدة معان منها: (أ) الاستمساك أو الاعتناق والالتصاق بالشيء تقول: التزم الشيء وبالشيء تعنى: استمساك به أو اعتنقه والتصق به وفي لسان العرب: (والالتزام: الاعتناق) ومنه في الحديث الشريف: أنه صلى الله عليه وسلم مازال يهتف بربه يوم بدر ماداً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبي الله كذاك أو كفاك مناشدتك ربك.....) ومنه أيضا قول عبد الله بن مغفل في الحديث: (أصبت جرابا من شحم يوم خيبر قال: فالتزمه فقلت: لا أعطى اليوم أحدا من هذا شيئا قال: فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتسما). (ب) الفرض أو الإيجاب على النفس تقول التزم الشيء أو الأمر: أوجبه على نفسه والتزم فلان للدولة: تعهد أن يؤدى قدرا من المال لقاء استغلاله أرضا من أملاكها فهو ملتزم. وعليه فإن ضعف أو تلاشى الالتزام في اللغة إنما هو التقصير في الاستمساك بالشيء أو اعتناقه والالتصاق به أو عدم الاستمساك بالشيء والالتصاق به أو اعتناق له بالمرة وهو أيضا التقصير أو عدم الوفاء بالمرة بما يوجبه أو يفرضه المرء على نفسه. اصطلاحاً: أما ضعف وتلاشى الالتزام في اصطلاح العلماء و الدعاة فهو التقصير أو عدم الوفاء بما يتعهد به المسلم أو يفرضه ويوجبه على نفسه من الصالحات، حين يرضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، بل حين يرضى أن يكون في صفوف الدعاة، وضمن قافلة العاملين من أجل التمكين لمنهج الله في الأرض. ثانياً: مظاهر الضعف أو تلاشى الالتزام: ولضعف أو تلاشى الالتزام مظاهر تدل عليه، وسمات يعرف بها نذكر منها: 1- عدم الدقة أو عدم الانضباط في الحديث و الموعد. 2- إصدار الأحكام دون تثبت أو تبين. 3- الفجور في الخصومة أو عدم رعاية أدب الخلاف. 4- الإصغاء إلى الإشاعات والأراجيف. 5- نبذ الطاعة إلا فيما يوافق الهوى النفس. 6- عدم النهوض بالبيت من الأهل و الولد إلى المستوى المنشود. 7- عدم رعاية الآداب أو السلوكيات الاجتماعية. 8- عدم التضحية سواء بالنفس أو بالمال أو بهما معاً. 9- عدم الدقة أو عدم الانضباط في الحركة. 1.- إهمال النفس من التنقية و التزكية. 11- استعجال النصر دون تأن أو ترو أو تأهب. 12- الاجتهاد فيما لا مجال فيه للاجتهاد. 13- عدم الثبات أمام مطامع الحياة الدنيا، وعند المحن و الشدائد. 14- إهدار حقوق الأخوة. 15- التدخل فيما لا يعنى. وهلم جراً. ثالثاً: أسباب ضعف أو تلاشى الالتزام: وهناك أسباب وبواعث تؤدى إلى ضعف أو تلاشى الالتزام نذكر منها: 1- عدم الفهم أو عدم الإدراك لأبعاد ومعالم الالتزام: ذلك أن عدم الفهم أو عدم الإدراك لأبعاد ومعالم أي أمر من الأمور يؤدى إلى رفضه، بل ومعاداته كما قال الله عز وجل { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله }. وعليه فإن عدم الفهم، أو الفهم مع عدم الإدراك القلبي لأبعاد ومعالم الالتزام سينتهي حتماً بصاحبه إلى التقصير وعدم الوفاء بما يقتضيه الدخول في صفوف المسلمين، بل في صفوف الدعاة و العاملين. ولعل ذلك هو السر في افتتاح آى التنزيل بالدعوة إلى الفهم، و الفهم الصحيح الواعي المستنير { اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم }. 2- الوسط الضعيف الالتزام أو غير الملتزم: وقد تلقى الأقدار بالمسلم في وسط ضعيف الالتزام أو غير ملتزم بالمرة، فيأخذ في الإقتداء و التأسي، أو على الأقل في المحاكاة والمشابهة، لاسيما إذا كان هذا الوسط ممن يقتدي أو يتأسى به وتكون النتيجة ضعف أو تلاشى الالتزام. ولعل هذا السبب يكشف لنا عن السر في تأكيد الإسلام على الأسوة و القدوة الطيبة، وذمِّه للأسوة و القدوة السيئة، إذ يقول سبحانه { يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين، وكان ذلك على الله يسيراً ومن يقنت منكن لله ورسوله، وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقاً كريماً }. فيضاعف سبحانه لهن العقاب على السيئة، و الثواب على الحسنة بسبب جو الطهر و العفاف الذي يعشن فيه و الذي يساعد على الطاعة و التقوى، وبسبب أن غيرهن يقتدي بهن فيكون عليهن عقاب معصيتهن، وعقاب معصية من اقتدى بهن، وكذلك يكون لهن ثواب طاعتهم وثواب طاعة من اقتدى بهن جزاء وفاقاً، لاسيما وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من دعا إلى هدى كان له من الجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً " و الدعوة كما تكون بالقول تكن بالسلوك { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة... } وإذ جاء عن عمر - رضى الله تعالى عنه - أنه رأي على طلحة بن عبيد الله ثوباً مصبوغاً وهو محرم، فقال عمر: ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة؟ فقال: يا أمير المؤمنين إنما هو مدر، فقال عمر: إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس، فلو أن رجلاً جاهلاً رأي هذا الثوب لقال: إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام، فلا تلبسوا أيها الرهط شيئاً من هذه الثياب المصبغة. 3- ضعف الإيمان: وقد يكون ضعف الإيمان ونزول مستواه في نفس المسلم، هو السبب في ضعف أو تلاشى الالتزام ذلك أن الإيمان هو مصدر الطاقات المتجددة بل هو الحارس و الحامي لصاحبه من أن يهمل أو يقصر، أو يصر على الأخطاء، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن قال له: إنك تواصل يا رسول الله: " وأيكم مثلى؟ إني أبيت يطعمني ربى ويسقيني " فقد بين جمهور علماء المسلمين المراد من هذا الكلام قائلين: " قوله يطعمني ربى ويسقيني مجاز عن لازم الطعام و الشراب، وهو القوة، فكأنه قال: يعطيني قوة الآكل الشارب، ويفيض علىّ ما يسد مسد الطعام و الشراب، ويقوى علىّ أنواع الطاعة من غير ضعف في القوة ولا كلال في الإحساس... " وقال ابن حجر: " ويحتمل أن يكون المراد بقوله: " يطعمني ربى ويسقيني " أي يشغلني بالتفكير في عظمته و التملي بمشاهدته، و التغذى بمعارفه وقرة العين بمحبته، والاستغراق في مناجاته والإقبال عليه عن الطعام و الشراب " وقال ابن القيم: "... إن المراد به ما يغذيه الله به من المعارف وما يفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه بقربه وتنعمه بحبه و الشوق إليه وتوابع ذلك من الأحوال التي هي غذاء القلوب، ونعيم الأرواح، وقرة العين، وبهجة النفوس، و الروح و القلب بما هو أعظم غذاء وأجوده وأنفعه، وقد يقوى هذا الغذاء حتى يغنى عن غذاء الأجسام مدة الزمان، كما قيل: لها أحاديث في ذكراك تشغلها عن الشراب وتلهيها عن الزاد لها بوجهك نور يستضاء به ومن حديثك في أعقابها حاد إذا شكت من كلال السير أوعدها روح القدوم فتحيا عند ميعاد ومن له أدنى تجربة وشوق يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب و الروح عن كثير من الغذاء الحيواني...، وإذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " يعنى: لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان. وعليه... فإن المسلم إذا ترك هذا الإيمان بدون تجديد وتعهد فإن جذوته تخبو أو تضعف في النفس وتكون العاقبة ضعف أو تلاشى هذا الالتزام. ولعل هذا السبب يضع أيدينا على الحكمة من وراء دعوة الإسلام إلى ضرورة تعهد الإيمان في القلب،وعدم إهماله ولو لحظة من نهار، إذ يقول صلى الله عليه وسلم: " إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فسلوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم "،: " جددوا إيمانكم " قيل يا رسول الله وكيف نجدد إيماننا؟ قال: " أكثروا من قول لا إله إلا الله ". 4- إقبال الدنيا و التعلق بها: وقد يكون إقبال الدنيا ببريقها وزخارفها من الأموال والأولاد و الشهادات و الوظائف و المركز و الجاه وتعلق القلب بها هي السبب في ضعف أو تلاشى الالتزام ذلك أنه { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } وعليه فإذا أقبلت الدنيا، وكان الاشتغال و التعلق بها لم يبق هناك وقت ولا طاعة ولا فكر يساعد على الالتزام والالتزام الدقيق، وحينئذٍ يكون ضعف أو تلاشى الالتزام. ولعل هذا هو سر تحذير الإسلام الشديد من إقبال الدنيا و التعلق بها، إذ يقول الحق - سبحانه وتعالى - { يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور }، { يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور }، وإذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ".... فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم "، " وانظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم "، وفي رواية " إذا نظر أحدكم إلى من فصل الله عليه في المال و الخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه "، " إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء "، " تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطى رضى، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش... " 5- المحن و الشدائد: وقد تكون المحن و الشدائد في داخل الصف أو من خارجه هي السبب في ضعف أو تلاشى الالتزام، ذلك أن المحنة أو الشدة عندما تنزل بالإنسان فإنها تزلزل كيانه، وتكاد تعصف به إلا من رحم الله، لاسيما إذا كان نزولها خالياً من الترقب والاستعداد، ومعرفة طريق الخلاص، وسبيل المواجهة، وحينئذٍ يشغل بها عن دوره الحقيقي ورسالته السامية ويكون ضعف أو تلاشى الالتزام. ولعل هذا هو سر حديث الإسلام المتكرر عن المحن و الشدائد وكيفية التعامل معها، غذ يقول الحق - تبارك وتعالى - { ولنبلونكم بشيء من الخوف و الجوع ونقص من الأموال والأنفس و الثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون }، { إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها، وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط }، { لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور }، { الذين آمنوا وهاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات ترى من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب }. وإذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليجرب عليكم بالبلاء، وهو أعلم به، كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار فمنهم من يخرج كالذهب الإبريز، فذلك الذي نجاه الله من السيئات، ومنهم من يخرج كالذهب الأسود فذلك الذي افتتن)، (إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)، (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله من خطاياه). 6- كثرة الأعباء مع طول الطريق: وقد تكون كثرة الأعباء مع طول ومشاق الطريق هي السبب في ضعف أو تلاشى الالتزام، ذلك أن الإنسان طاقة، وإذا حمل عبئاً فوق طاقته، فإنه ستأتي عليه لحظة يسقط بعضه أو كله عن كاهله، لاسيما إذا كانت الطريق طويلة وبها كثير من العقبات والمعوقات، ولعل ذل ك هو سر دعوة الإسلام إلى الأخوة أو الجماعة إذ هي التي تشارك في حمل الأعباء وتجاوز طول ومشاق الطريق. يقول الحق سبحانه وتعالى { إنما المؤمنون أخوة }، { رحماء بينهم }، { أذلة على المؤمنين }، { واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزرى وأشركه في أمري }،{ وتعاونوا على البر و التقوى }، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)، (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى). 7- الأبوان: وقد يكون الأبوان هما السبب في ضعف أو تلاشى الالتزام، ذلك أن بعض الآباء قد تحمله عاطفة الحب لولده على الحيلولة بين الولد والالتزام لاسيما في هذا العصر الذي صار فيه الالتزام بالإسلام بل والالتزام بالدعاة و العاملين لدين الله تهمة، وتهمة خطيرة تقود صاحبها إلى السجون و المعتقلات، أو النفي و التشريد في الأرض، بل الموت أو القتل، ناسين أو متناسين أن الآجال بيد الله لا بيد البشر { وما كان لنفس أن تمت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً } وأن الله وحده هو الذي يعلم نهاية هذه الآجال، { وما تدرى نفس ماذا تكسب غداً وما تدرى نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير } وأن أجل الله إذا جاء لا يؤخر: { ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها }، { إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون }، { قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم }، { أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة }، بل ناسين أو متناسين أن موسى - عليه السلام - الذي ألقي في اليم وهو صغير لا حول له ولا قوة نجاه الله، وكان هلاك فرعون طاغية مصر على يديه { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً }، وأن يوسف - عليه السلام - الذي ألقى به من قبل في الجب أنجاه الله ومكن له في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء وقال لإخوته في النهاية { أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين }. 8- الاستجابة للوساوس والشبهات الشيطانية: وقد تكون الاستجابة للوساوس و الشبهات الشيطانية هي السبب في ضعف أو تلاشى الالتزام، ذلك أن الشيطان قاعد للإنسان لاسيما المسلم بالمرصاد، يوسوس بإلقاء الشبهات والأباطيل كي يصرفه عن طريق الله أو على الأقل يجعل سيره في هذه الطريق محفوفاً بالتضييع و التفريط، وحين يستجيب المسلم إلى هذه الوساوس وتلك الشبهات يبتلى بضعف أو تلاشى الالتزام. ولعل هذا هو السر في دوام تحذير الإسلام لنا من الشيطان الرجيم ووسوسته فلا نسمع لها ولا نستجيب، يقول الحق - سبحانه وتعالى - { يا بنى آدم لا يفتتنكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما }، { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين }، { قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة و الناس } ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام فقال: تسلم وتذر دينك، ودين آبائك، فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجرين كمثل الفرس في الطول فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد فقال: تجاهد فهو جهد النفس و المال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال فعصاه فجاهد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك كان حقاً على الله - عز وجل - أن يدخله الجنة، ومن قتل كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقاً على الله - عز وجل - أن يدخله الجنة، أو وقصته دابته كان حقاً على الله أن يدخله الجنة). 9- عدم المتابعة من الآخرين: وقد يكون السبب في ضعف أو تلاشى الالتزام إنما هو عدم المتابعة من الآخرين، ذلك أن الإنسان إذا شعر أن هناك إهمالاً أو عدم متابعة من الآخرين، فإن همته تفتر، وعزيمته تضعف، أما إذا كانت المتابعة المتمثلة في المساءلة و المجازاة، فإن الهمة تعلو والإرادة تقوى،و العزيمة تشتد، ولعل هذا هو سر متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم الشديدة لأصحابه في كل تصرفاتهم وسلوكياتهم، وحسبنا هنا هذه الصورة من المتابعة: عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اصبح منكم اليوم صائماً؟ قال: أبو بكر - رضى الله عنه - أنا، قال: فمن تبع اليوم منكم جنازة؟ قال أبو بكر - رضى الله عنه - أنا، قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر رضى الله عنه أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر - رضى الله عنه - أنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة ". 10- الغفلة عن عواقب ضعف أو تلاشى الالتزام: وأخيراً قد يكون الغفلة عن عواقب ضعف أو تلاشى الالتزام هي السبب في هذا الضعف أو ذلك التلاشي: ذلك أن من غفل عن العواقب الخطيرة لأمر ما، تعاطى هذا الأمر مع تقصير فيه، أو أهمله وألغاه من حسابه بالمرة، ولا يفيق ولا ينتبه إلا حين تزول العواقب فيندم حيث لا ينفع الندم ويتمنى حين لا تفيد الأماني. رابعاً: آثار ضعف أو تلاشى الالتزام: ولضعف أو تلاشى الالتزام عواقب وخيمة، وآثار سيئة على العاملين، وعلى العمل الإسلامي، ودونما طرفاً من هذه العواقب وتلك الآثار: آثار ضعف أو تلاشى الالتزام على العاملين: لعل من أبرز آثار ضعف أو تلاشى الالتزام على العاملين: 1- الحيلولة دون العبودية الحقة: ذلك أن من كان ضعيف أو عديم الالتزام فإنه يفسح المجال أمام الشر ليستشري و الباطل لينتشر، حتى يصل إليه وإلى ذويه، وحينئذٍ يحال بينه وبين أبسط قواعد الالتزام الإسلامي كالشعائر التعبدية مثلاً، وحال المسلمين في الجمهوريات الواقعة الآن تحت نير الشيوعية الحمراء في الاتحاد السوفيتي خير ما يوضح هذا الأمر،فقد أتى على هؤلاء زمان كان الواحد فيه يكتفي بالالتزام بجزء من دين الله، وهو ما يخصه في نفسه، تاركاً ومهملاً الباقي، قائلاً: علىَّ نفسي في الوقت الذي كان فيه الباطل يواصل الليل بالنهار في تنفيذ خطته حتى أمسك بخناق هؤلاء، وحينئذٍ حال بينهم وبين أسمائهم الإسلامية، بل بينهم وبين الأعراف و التقاليد الإسلامية فيما عرف بشئون الأسرة من:الزواج و الطلاق و الحضانة و النفقة ونحوها، وابعد من ذلك سعى إلى تحويل المساجد إلى دور للخيالة أو اصطبلات خيول، وحظر على أي منهم اقتناء نسخة بل ورقة من المصحف الذي يضم بين طياته القرآن الكريم، وكان السبب المباشر إنما هو ضعف أو تلاشى الالتزام. 2- فقد ثقة الناس: وهذا أمر بدهي، فإن الناس لا يتأثرون بالكلمات قدر ما يتأثرون بالسلوكيات، حتى قيل: (عمل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل)، وعليه فإن من كان ضعيفاً أو عديم الالتزام يسحب الناس ثقتهم منه، وحينئذٍ يخسر كثيراً وتكون هذه الخسارة في الدنيا قبل الآخرة، وكم قرأنا وسمعنا وشاهدنا أقواماً استهانوا بأمر الالتزام، فعاقبهم الله بضياع ثقة الناس وجر ذلك عليهم خسراناً مبيناً حتى في وظائفهم ودنياهم ومصالحهم الشخصية. 3- القلق والاضطراب النفسي: ذلك أن ضعيف أو عديم الالتزام إنما هو عاص لله، وللمعصية آثار ضارة أشدها القلق والاضطراب النفسي، ولعل ذلك هو المفهوم من قوله تعالى: { ومن يؤمن بالله يهد قلبه }، { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب } { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } بل هو المصرح به في قوله تعالى: { ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكاً... }، { ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعدا }. 4- الحرمان من الأجر و المثوبة بل وتحمل الأوزار: ذلك أن ضعيف أو عديم الالتزام ضيع على نفسه بذلك الأجر وحرمها من المثوبة بل وعرَّضها لتحمل أوزار الذين اقتدوا به في ضعفه أو عدم التزامه ففتنوا وضاعوا، وصدق الله: { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون }. على العمل الإسلامي: وأما آثار ضعف أو تلاشى الالتزام على العمل الإسلامي فكثيرة نذكر منها: 1- فتح المجال لمحاولة اختراق هذا العمل لضربه أو على الأقل تطويقه وإجهاضه، فلا يؤتى ثماره إلا بعد تكاليف كثيرة وزمن طويل. 2- قلة أو انعدام كسب الأنصار و المؤيدين لأن كسب هؤلاء إنما يكون بكسب ثقتهم أولاً، وضعف أو تلاشى الالتزام يضيع هذه الثقة وبالتالي يضيع منها المؤيد و النصير. 3- منح أعداء الله فرصة التحرش بالعمل الإسلامي لتشويه صورته في عيون العامة، والدهماء من الناس تمهيداً لضربه و القضاء عليه أو تعطيله على الأقل. 4- الحرمان من العون و المدد الرباني، ذلك أن من كان في التزامه ثلمة أو ضعف، فهو مقصر في نصرة دين الله، وأنى لمن أعرض عن نصرة دين الله أن يمنحه ربه عوناً أو مدداً؟ وصدق الله { يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم }. خامساً: علاج ضعف أو تلاشى الالتزام: وما دمنا قد وقفنا على الأسباب أو البواعث التي تؤدى إلى ضعف أو تلاشى الالتزام فإن طريق العلاج تبدأ بتطبيق ما يلي: 1- الإدراك الذهني بل و القلبي لأبعاد ومعالم الالتزام، بحيث يخالط هذا الإدراك الأحاسيس و المشاعر بل و الخواطر ويصير سجية للنفس تفرح وتستريح حين تتمثله في داخلها وفي واقع الحياة، وتحزن وتضيق إذا هي قصرت في هذا التمثيل. 2- التأكيد على دقة الالتزام من ذوى الأسوة و القدوة حتى يكون ذلك دافعاً لمن دونهم على الإقتداء و التأسي، أو على الأقل المحاكاة و المشابهة. 3- الحرص على تجديد الإيمان وتقويته في النفس، فإن ذلك يولد طاقات وإمكانات تعين على الالتزام وأبعد من ذلك يكون الحارس والأمين لئلا يكون تقصير أو إهمال. 4-الفهم الدقيق الواعي لحقيقة الدنيا والآخرة وعلاقة كل منهما بالآخر وسبل تحقيق التوازن بينهما { وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا }. 5- إدراك أن طريق الهجرة و الفرار إلى الله طريق كلها أشواك وصعاب، ولكنها تفضي إلى النعيم المقيم في جوار رب العاملين، وأنه لابد من حمل النفس على أخذ الأهبة والاستعداد { واستعينوا بالصبر و الصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين }. 6- حمل ما بمقدور النفس القيام به حتى لا تضعف أو تنقطع عن ركب العاملين المجاهدين { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها }، { لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها }. 7- التحذير المستمر من كيد الشيطان ووسوسته مع بيان سبيل النجاة من هذه المكايد وتلك الوساوس. 8- الوقوف على سير وأخبار من عرفوا بدقة وكمال الالتزام والتاريخ الإسلامي طافح في ذلك بالنافع المفيد: حسبنا ما جاء عن حذيفة رضى الله تعالى عنه قال: لق أتينا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر (أي برد) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: (ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة)؟ فسكتنا فلم يحبه أحد منا ثم قال: (ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة) فسكتنا فلم يحبه أحد منا أحد فقال: (ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة) فسكتنا فلم يحبه أحد منا فقال: (قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم)فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم فقال: (أذهب فائتني بخبر القوم ولا تذعرهم على)، فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشى في حمام حتى أتيهم فرأيت أبا سفيان يصلى ظهره بالنار فوضعت سهما في كبد القوس فأردت أن أرميه فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولا تذعرهم على) ولو رميته لأصبته فرجعت وأنا أمشى في مثل حمام فلما أتيته فخبرته بخبر القوم وفرغت قررت فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلى فيها فلم أزل نائما حتى أصبحت فلما أصبحت قال: (قم يا نومان). وحسبنا أيضا ما جاء عن أم جميل بنت الخطاب في بداية الدعوة الإسلامية غذ تقول عائشة رضى الله تعالى عنها -: لما اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا ثمانية وثلاثين رجلا ألح أبو بكر على الرسول صلى الله عليه سلم في الظهور فقال: (يا أبو بكر إنا قليل) فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفوق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته وقام أبو بكر في الناس خطيبا ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله وثار المشركين على أبو بكر وعلى المسلمين فضربوا شديدا ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين لوجهه ونزل على بطن أبى بكر حتى ما يعرف وجهه من أنفه وجاء بنو تيم يتعدون فأجلت المشركين عن أبى بكر وحملت بنو تيم أبا بكر حتى دخلوا منزله ولا يشكون في موته ثم رجعت بنو تيم فدخلوا المسجد وقالوا: ولله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة ابن ربيعة فرجعوا إلى أبو بكر فجعل أبو قحافة وبنو تيم يتكلمون أبا بكر حتى أجابهم فتكلم آخر النهار فقل: م فعل رسول الله صلى لله عليه و سلم فمسوا منه بألسنتهم وعدلوه ثم قاموا وقالوا لأمة أم الخير: انظري أن تطعميه شيئا أو تسقيه إياه فلما خلت به ألحت عليه وجعل يقول: (ما فعل رسول الله صلى لله عليه وسلم؟ قالت: ولله مالي على بصحبك فقل: ذهبي إلى أم جميل بنت لخطاب فسأليه عنه فخرجت حتى جاءت م جميل فقلت: إن ب بكر أبن عبد الله وإن يسألك عن محمد بن عبد الله فقالت ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله وعن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك قلت نعم فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا دنفا فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح وقالت: والله إن قوما نالوا هذه منك لأهل فيق وكفر وإني لأرجو أن ينقم لله لك منهم قال:فما فعل رسول لله صلى لله عليه وسلم؟ قالت: هذه أمك تسمع قال:فلا شئ عليك منه قالت: سالم صالح قال: أين هو؟ قالت: في دار بن الأرقم قال فإن الله على ن ى أذوق طعاما ولا أشرب شرب و آتى رسول لله صلى الله عليه وسلم فأمهلتاه حتى إذ هدت الرجل ومسكن الناس خرجت به يتكئ عليهما حتى أدخلتاه على رسول لله صلى لله عليه وسلم قل فكب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله واكب عليه المسلمون ورق له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة فقال أبو بكر: بأبي وأمي يا رسول الله: ليس بي بأس إلا ما ناله الفاسق من وجهي وهذه أمي برة بولدها وأنت مبارك فادعها إلى لله وادع الله لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار قال: فدعا لها رسول الله صلى لله عليه وسلم ودعاها إلى الله فأسلمت. وحسبنا كذلك ما ورد عن انس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (أتى على رسول الله صلى لله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان قال فسلم علينا فبعثنى إلى حاجة فأبطأت على أمي فلما جئت قالت: ما حسبك؟ قلت: بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سر قالت: لا تحدثن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا). هذه الأخبار وغيرها كثير في تاريخ المسلمين قديمة وحديثه تعين من سمعها على الإقتداء والتأسي أو على الأقل المحاكاة والتشبه. (9) الحرص على لزوم الجماعة وعدم الانفكاك عنها لحظة واحدة إذ فيها يكون التناصح والتواصى بالحق والتواصى بالحق والتواصي بالصبر والتعاون وتجديد النشاط وإعلاء الهمة وغير ذلك مما يعد في الحقيقة جوهر ومضمون الالتزام. (10) الاستعانة التامة بالله عز وجل فإنه سبحانه يعين من لجأ إليه واستعان به ولاذ بحماه. (11) محاسبة النفس دوما للوقوف على الجوانب الضعف والخلل فيها ثم تلا في بالتوبة والإقلاع عن الخطأ وجبره بأنواع من لكفارات كالصداقة والإكثار من النوافل. (12) الإحسان إلى الأبوين في المعاملة مع لفت نظرهما بأدب ورفق إلى أن الآجال بيد الله وأن ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن وأنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها. (13) التذكير الدائم بفوائد وثمرات الالتزام وكذلك بعواقب ومضار إهدار هذا الالتزام أو التخلي عنه فإن هذا التذكير له دور كبير في عودة النفس إلى صوابها ونهوضها من جديد. (14) معايشة المستمرة لكتاب الله عز وجل فإنه بيان دقيق لحقيقة مضمون الالتزام ولم لا يكون كذلك وهو حكم الله: { ومن حسن من الله حكما لقوم يوقنون }. (15) المسارعة بالانتفاع بالنعم الآنية من الوقت والصحة والمال والعلم والشباب ونحو ذلك قبل زوالها إذ يقول صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال الصالحة سبعا هل تنتظرون إلا فقرا منسيا أو غنى مطغيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا أو موتا مجهزا أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر. (16) المعايشة الدائمة لسنة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيهما الصورة الدقيقة الحية لما ينبغي أن يكوون عليه المسلم من الالتزام. حسبنا أنه لم يقبل أن يهاجر وأمول الناس عنده أمانات وودائع بل استبقى عليا مكانه في فراشة ليرد هذه الودائع إلى أهلها وليموه على الأعداء وحسبنا أنه لم ينقض عهدا قط لا مع الأعداء ولا مع غير الأعداء فكان بذلك مضرب الأمثال. والقصة التالية بعض من كل وقليل من كثير: يروى حذيفة بن اليمان رضى الله عنه فيقول: ما ينبغي أن أشهد بدرا إلا أنى خرجت أنا وأبى حسيل قال فأخذنا كفار قريش قالوا: إنكم تريدون محمدا؟ فقلنا: ما نريد إلا المدينة فاخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرنا الخبر فقال: (انصرفا نفي لهم بعهدهم ونستعين بالله عليهم).
مختارات