" في طريق الهندسة النفسية "
" في طريق الهندسة النفسية "
كن جميلاً ترى الوجود جميلاً: الحياة فوارة بكل ما هو لذيذ ومسعد، مليئة بالخيرات الحسية والمعنوية، ولكي نتمتع بما فيها – مع مراعاة الخطوط الفاصلة بين الحرام والحلال والمكروه والمباح – يجب علينا أولاً: أن نخرج النفس من همومها وأوهامها لا مكان للسوء إلا في النفس السيئة لا بد من رؤية صافية ترى الوجود جميلاً لا عيب فيه كل ما حولها يقود إلى حقيقة السعادة.
«أُومِنُ أن الحياة ليست بالسوء الذي يتوهمه الناس، إننا إذا نظرنا إلينا من جانب واحد وجدنا جبالاً من الهموم وأنهارًا من الغموم؛ ولكن الحياة لها جوانب كثيرة؛ فيها الفرح والمرح، لا تقف متصلبًا مشلولاً أمام المشاكل وإنما حاول أن تخرج منها، حاول أن تدوس على متاعبك وتستأنف السير، ولا تجعل المتاعب تدوسك».
إذا عشت بهذه النفسية المتفتحة للحياة وانطلقت من قيد الظنون والأوهام فاعلم أن النجاح حليفك والسعادة قرينتك، وأن جبال الهموم قد ذابت من وَهَجِ نشاطك وإقبالك على الحياة كما تذوب جبال الثلج إذا تلاطمت حولها الأمواج الفائرة.
خضوع يكسب العز: مما لا شك فيه أن هذه النفس الشريفة الوثابة لا تستطيع الصمود ولا الاستمرار في طريقها العصيب إلا بتوفيق الله عز وجل؛ بأن يكون ناصرها ومعينها ووليها من دون الخلق، ولكي يصل الشاب الطموح إلى هذه القوة الهائلة المكملة لنفسه: لا بد أن يبذل حياته كلها لله عز وجل، وهذه الحياة لا قيمة لها ولا اعتبار إلا بالانطراح بين يدي الله عز وجل، فيكون الشاب ذليلاً خاضعًا منكسرًا بين يدي مولاه مرددًا قولَ عبد الوهاب عَزَّام بصدق ولهف:
أنا وحدي ضعيفُ حولٍ عاجزٌ معدمٌ كليلٌ جبانُ
وأنا منك في غنىً واقتدارٍ وشجاعٌ تهابه الشجعانُ
يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله: «فليس شيء أحب إلى الله من هذه الكسرة والخضوع والتذلل والإخبات والانطراح بين يديه والاستسلام له؛ فلله ما أحلى قوله في هذه الحال: أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني، أسألك بقوتك وضعفي وبغناك وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك عبيدك سواي كثير وليس لي سيد سواك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، أسألك مسألة المسكين وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، سؤال من خضعت لك رقبته ورغم لك أنفه وفاضت لك عيناه وذل لك قلبه».
ثم يفيض في هذا الخضوع؛ فيمرغ جبهته في التراب ساجدًا ملحفًا بالسؤال قد أذَلَّ دموعه منتظرًا سكب الرحمات في قلبه والسكينة في نفسه:
قلت لليل كم بصدرك سر أنبئني ما أروعُ الأسرار
قال ما ضاء في ظلامي سرٌ كدموع المنيب في الأسحار
فإذا أدام طالب السمو تذلله وتخضعه ولزم المحراب تفتحت له أبواب السماء، ونال المراتب السَّنِيَّة وتحَقَّقَ له المراد، قال بعض الصالحين: «ما فتح الله تعالى على عبد حالة سَنِيَّةً إلا باتباع الأوامر وإخلاص الطاعات ولزوم المحاريب»، واستشهد بدعاء زكريا وكيف أن الله وهبه يحيى وبشره به وهو قائم يصلي في المحراب (نحو المعالي) وهذه العبودية المتمثلة في الخضوع والتذَلُّل تورِثُ العَبْدَ تمامَ الكِفاية من ربه؛ يقول عبد القادر الجيلاني: «...هات حقيقة العبودية وخذ الكفاية في جميع أمورك» (الفتح الرحماني).
مختارات