إن يعلم الله في قلوبكم خيرا
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
أما بعد..
فالحمْدُ للهِ الذي يُطعِمُ ولا يُطعَمُ، منَّ عليْنا فهدانا، وأطعمنا وسقانا، وكلَّ بلاءٍ حَسَنٍ أبلانا، الحمدُ للهِ غيرَ مُودَّعٍ، ولا مَكفُورٍ، ولا مستغنىً عنه ربّنا.
الْحَمْدُ لله ذي القدرةِ الباهرة، والآلاءِ الظاهرة، والنعمِ المتظاهرة، حمداً يُؤذِنُ بمزيدِ نعمِه، ويكونُ حصناً مانعاً مِن نقمِه.
أحبتي..
تحسسوا قلوبكم ؟! السابق فينا السابق بقلبه لا بجوارحه، والساعي لله تعالى يسعى بحبه وذله وإنكساره بين يدي ربه، نريد ثورة قلبية حقيقية، فلابد من تخلية القلوب، ولابد من تعاهدها بكثرة الذكر، وتدبر القرآن، وبالصدقة الماحية لران القلب، وبتخليصها من شواغل الدنيا، وبجاني ذلك لابد من مخالفة الهوى لمجاهدة النفس.
قال ابن رجب:
يا شبان التوبة لاترجعوا إلى ارتضاع ثدي الهوى من بعد الفطام، فالرضاع إنما يصلح للأطفال لا للرجال، و لكن لا بد من الصبر على مرارة الفطام، فإن صبرتم تعوضتم عن لذة الهوى بحلاوة الإيمان في القلوب، من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه: { إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم و يغفر لكم }
أحبتي..
آية التدبر
" وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور "
قالوا في التفسير:
{ليبتلي الله ما في صدوركم} أي: يختبر ما فيها من الخير أو الشر، {وليمحص ما في قلوبكم} أي: يكشف ما فيها من النفاق أو الإخلاص، فقد ظهر خبث سريرتكم ومرض قلوبكم بالنفاق الذي تمكن فيه، {والله عليم بذات الصدور} أي: بخفاياها قبل إظهارها. وفيه وعد ووعيد وتنبيه على أنه غني عن الابتلاء، وإنما فعل ذلك ليُميِّز المؤمنين ويُظهَر حال المنافقين.
وللمتدبرين أسرار:
فالتمحيص تخليص الشيء ممَّا يخالطه ممَّا فيه عيب له فهو كالتزكية، وقلوبنا تحتاج إلى تمحيصات، وتحتاج إلى عمليات إزالة شوائب، وشفط لدهون الأوزار المتراكمة على القلب، والتي توشك أن تصيبة بجلطات فيها هلاكه، فلابد من (تمحيص) الآن أجري العملية بالعمل المستمر للإزالة بغير التدخل الطبي، الآن بالوقاية، وهذا بتحقيق قوله صلى الله عليه وسلم: " فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه " أريد أن تتوقفوا عند " نزع " مع " وليمحص " هذه هي الطريقة " انزع " الغفلة بالذكر، محص الكبر بالتواضع، انزع كثرة الكلام اللغو بشغل اللسان بالمناجاة والتضرع، وإلا فالتدخل الطبي غير مأمون العواقب، والمقصود الابتلاءات الشديدة فحذار " والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما " فهو حليم لا يعاجل بالعقوبة، ولكن احذر " إن بطش ربك لشديد "
ونجاتك في مناجاتك:
إلهي ! لولا أنّك بالفضلِ تجود، ما كانَ عبدُكَ إلى الذنبِ يعُود.
ولولا محبّتُك للغفران، ما أمهلتَ مَن يُبارزُكَ بالعصيان، وأسبلت سترك على من تسربَلَ بالنسيان، وقابلتَ إساءتَنا منكَ بالإحسان.
إلهي ! ما أمرتَنا بالاستغفارِ إلاّ وأنتَ تُريدُ المغفرة، ولولا كرمُك ما ألهمتَنا المعذرة.
أنتَ المبتدئُ بالنوالِ قبلَ السؤالِ، والمعطي مِن الإفضالِ فوقَ الآمال، إنّا لا نرجُو إلاّ غفرانَك، ولا نَطلبُ إلاّ إحسانَك.
إلهي ! أنتَ المحسنُ وأنا المُسيء، ومِن شأنِ المحسن إتمامُ إحسانِه، ومِن شأنِ المسيءِ الاعترافُ بعدوانِه.
يا مَن أمهلَ وما أهمَل، وسَترَ حتّى كأنّه غفَر، أنتَ الغنيُّ وأنا الفقير، وأنتَ العزيزُ وأنا الذليل.
إلهي ! مَن سواكَ أطمعَنا في عفوِك وجودِك وكرمِك؟ وألهمَنا شُكرَ نعمائِك، وأتى بنا إلى بابِك، ورغّبَنا فيما أعددّتَه لأحبابِك؟ هل ذلكَ كلُّه إلاّ منكَ، دللتَنا عليكَ، وجئتَ بنا إليك.
واخيبةَ مَن طردتَه عن بابِك.! واحسرةَ مَن أبعدتَه عن طريقِ أحبابِك.!
مختارات