يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
أما بعد..
فالحمدُ لله الذي لا يَنسَى مَن ذكرَه، الحمدُ لله الذي لا يخيبُ مَن دعاه، الحمدُ لله الذي لا يَكِلُ مَن تَوكّلَ عليه إلى غيرِه، الحمدُ لله الذي هو ثقتُنا في كلِّ حِينٍ، وحِينَ تَنقطِعُ عنَّا الحيَل، الحمدُ لله الذي هو رَجاؤنا حِينَ تَسُوءُ ظُنُونُنا بأعمالِنا، الحمدُ لله الذي يَكشِفُ ضُرّنا وكربَنا، الحمدُ لله الذي يجزِي بالإحسانِ إحساناً، الحمدُ لله الذي يجزِي بالتقصيرِ عَفواً الحمدُ لله الذي يجزِي بالصبرِ نجاةً.
أحبتي..
ما رأيكم أن نعلنها ثورة على قلوبنا من وحي قول المحبين " أنا العطشان من حبك لا أروى.. أنا الجائع الذي لم يشبع من حب ربي "
في صفة الصفوة: قدمت شعوانة وزوجها مكة فجعلا يطوفان فإذ أكل أو أعيا جلس وجلست خلفه فيقول هو في جلوسه أنا العطشان من حبك لا أروي وتقول هي: أنبت لكل داء دواء في الجبال، ودواء المحبين في الجبال لم ينبت.
أشعر أنَّ قلوبنا تحتاج إلى " مقويات حب " تتقوى بها على الطاعة، فالمحب لله يحب التعب لله تعالى، يحب لذة الافتقار إليه والاحتياج له،وهو يقول: " أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك "، وهو يترنم بينه وبين نفسه " أفلا أكون عبدا شكورا "، وهو يستعذب آلام الصيام والقيام ويهتف قلبه " فقط أن ترضى عني " وهو يشتاق لمنحة " العتق " ليس للنجاح في اختبار الدنيا فحسب، وإنما رجاء " من أحب لقاء ربه أحب الله لقاءه " ولا يكون إلا يوم المزيد والذي يوافق يوم الجمعة كما هو اليوم، فهل من " يوم المزيد " ؟ اشتقنا لك يا رب !!!
أحبتي..
آية التدبر : { يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ }
ومعناها ظاهر، ولكن خفاياها توجب الحياء، وتقطع قلوب طالما سترها الملك، ومازالت زائغة، الستر على قسمين: ستر عن المعصية وستر فيها.
فبعض الناس يطلبون من الله تعالى الستر في أن لا يعلم الناس فعلهم لهذه المعاصي خشية سقوط مرتبتهم عند الخلق، ولكن عباد الله المحبين يطلبون من الله الستر عنها بأن يجعل بينهم وبينها حاجباً حتى لا تخطر بقلوبهم خشية سقوطهم من نظر الملك الحق.
كان بعضهم يدعو فيقول: اللهم إنا نسألك التوبة ودوامها، ونعوذ بك من المعصية وأسبابها، وذكرنا بالخوف منك قبل هجوم خطراتها، واحملنا على النجاة منها ومن التفكر في طرائقها.
فيا أحبتي..
تحببوا بقلوبكم اليوم مستشعرين نعمة ستره، وكلما رأيت من الناس حبًا أو مدحًا فقل لنفسك: من أكرمك فإنما أكرم فيك جميل ستره فالحمد لمن سترك ليس الحمد لمن أكرمك وشكرك،فإنه لولا جميل ستره ما نظروا بعين الرضا إليك بل لو نظروا إلى ما فيك من العيوب لاستقذروك ونفروا منك وطرحوك. فتحبب بإحسانه عليك قال تعالى: { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ }
وفي الدعاء تحنن وتقرب " فارحم يا رب حنين الحان إليك.. عطشان حبك يا رب ":
اللهُمّ يا حبيبَ التائبينَ، ويا سرورَ العابدين، ويا قُرّةَ أعينِ العارفين، ويا أنيسَ المنفردين، ويا حِرزَ اللاجئين، ويا ظَهر المنقطعِين، ويا مَن حنّت إليهِ قلوبُ الصدّيقين، اجعلنا مِن أوليائِكَ المقرّبينَ، وحِزبِك المفلحين.
إلهي ! كلُّ فرحٍ بغيرِك زائل، وكلُّ شُغلٍ بسواكَ باطل، والسرورُ بك هو السرور، والسرورُ بغيرِك هو الزورُ والغُرور.
إلهي ! لو أردتَّ إهانتَنا لم تهدِنا، ولو أردتَّ فضيحتَنا لم تَسترنا، فتمّمِ اللهمّ ما بهِ بدأتَنا، ولا تسلُبنا ما بهِ أكرمتَنا.
إلهي ! أتحرِقُ بالنارِ وجهاً كان لكَ ساجداً، ولساناً كانَ لكَ ذاكراً، وقلباً كان بكَ عارِفاً؟
إلهي أنتَ ملاذُنا إن ضاقَتِ الحيَل، وملجؤُنا إذا انقطعَ الأمل، بذِكرِك نَتنعّمُ ونفتخِر، وإلى جودِك نلتجِئُ ونفتقِر، فبكَ فخرُنا، وإليك فقرُنا.
اللهُمّ دُلّنا بكَ عليك، وارحم ذُلّنا بينَ يديك، واجعَل رغبتَنا فيما لدَيك، ولا تحرِمنا بذنوبِنا، ولا تطرُدنا بعيوبِنا.
مختارات