خلق النبات
خلق النبات
قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8)} [الشعراء: 7، 8].
وقال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)} [فصلت: 39].
الله تبارك وتعالى خلق الأرض، وزينها بما على ظهرها من المياه والنباتات والأشجار، وفرشها بأنواع النبات، وجملها بالزهور، وحملها بالثمار من أجل الإنسان، الذي كرمه الله على سائر المخلوقات.
ووضع المولى الكريم مائدة نعمه عليها، من حلو وحامض، ورطب ويابس، وثمر وحبوب، وزرع ونخيل، وعنب وزيتون، وفواكه مختلفة، وأعشاب متنوعة: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)} [عبس: 24 - 32].
فجميع الحيوانات والطيور والحشرات وسائر البشر، كلهم يأكلون من هذه المائدة التي خلقها الله، ووضعها لهم على هذه الأرض.
وقد خلق الله سبحانه كل دابة ورزقها، فلا تموت حتى تستوفيه: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)} [هود: 6].
والله عزَّ وجلَّ أنزل من السماء ماء، فمازج الأرض، فأوجد الله بينهما بسبب هذه الممازجة والمخالطة أنواعاً مختلفة من الثمار والفواكه والحبوب، والزروع والأشجار، وسائر الأغذية والأقوات المختلفة الألوان والأشكال، والأحجام والطعوم كما قال سبحانه: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)} [الحج: 5 - 7].
فسبحان من غير بالماء الأرض المغبرة، حتى صارت مخضرة.
وسبحان من زينها بالنبات والأزهار، كما زين الإنسان بالثياب والأخلاق.
وسبحان من أنجب منها وأظهر ملايين المواليد من النباتات.
ذلك هو الله الحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له، فهو خالق كل شيء، كما ابتدأ الخلق، وكما أحيا الأرض بعد موتها، يحيي الموتى، ثم يجازيهم، وهو على كل شيء قدير.
وهذه الزروع التي تنبت، والأشجار التي تثمر، آية من آيات الله الباهرة، هو الذي خلقها ونمّاها، وأخرج منها الثمار والحبوب، فلكل نبتة، ولكل شجرة، ولكل ورقة، ولكل ثمرة، أمر من الله بالخلق، وأمر بالبقاء، وأمر بالنفع والضر.
أما دور البشر فهم يحرثون، ويلقون الحب الذي خلقه الله في الأرض التي خلقها الله، ويسقونه بالماء الذي خلقه الله، ثم ينتهي دورهم: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)} [الواقعة: 63 - 67].
إن الحبة أو البذرة تأخذ طريقها إلى الحياة بأمر الله عزَّ وجلَّ.. وتسير فيه سيرة العاقل العارف الخبير بمراحل الطريق.. الذي لا يخطئ مرة كما يخطئ الإنسان في عمله.. ولا ينحرف عن طريقه.. ولا يضل الهدف المرسوم.
فسبحان من خلقها، وسبحان من دبرها، وسبحان من كبرها، وسبحان من صورها.
إن يد القدرة الإلهية هي التي تتولى خطاها على طول الطريق في هذه الرحلة العجيبة التي ما كان العقل ليصدقها لولا أنه أبصرها ورآها.
فأي عقل يصدق، وأي خيال يتصور، أن حبة القمح مثلاً يكمن فيها هذا العود، وهذا الورق، وهذه السنبلة، وهذا الحب الكثير.
أو أن هذه النواة تكمن فيها نخلة كاملة سامقة بكل ما تحتويه من جذور وأوراق وثمار وأولاد.
إن العقل لايصدق هذا، لولا أنه يراه يقع بين يديه صباح مساء، ولولا أن هذه القصة تتكرر على مرأى ومسمع من جميع الناس.
إن كل حبة، وكل نبتة، وكل بذرة تنبت وتنمو وترتفع بأمر خالقها، ولو شاء سبحانه لم تبدأ رحلتها، ولو شاء لم تتم قصتها، ولو شاء لجعلها حطاماً قبل أن تؤتي ثمارها.
وهي بمشيئة الله تقطع رحلتها من البدء إلى الختام، وتقدم نفسها طعاماً للإنسان، وهو يعصي ربه، ويخالف أمره، بل قد يستعملها في معصيته.
ولكن الله غفور حليم يمنحهم الثمر، ويسمح للنبتة أن تتم دورتها، وتكمل رحلتها: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243)} [البقرة: 243].
والنبات والحيوان أمم وقبائل، وأشكال وألوان لا يحصيها إلا الله:
فالنبات منه ما هو معمر.. ومنه ما هو حولي.. ومنه ما هو فصلي.. ومنه الأبيض والأسود.. ومنه الأحمر والأصفر.. ومنه الأخضر والأزرق.. ومنه زهر بلون.. وزهر بلونين.. وزهر بألوان.
ومنه حلو.. ومنه مر.. ومنه حار.. ومنه بارد.. ومنه مالح.. ومنه حامض.. ومنه ثمر بنوى.. وثمر بدون نوى.
ومنه ثمر ظاهر على الأرض.. ومنه ثمر على رأس الشجر.. ومنه ثمر في باطن الأرض.
ومنه ما يتكاثر بالنواة.. ومنه ما يتكاثر بالعروق.. ومنه ما يتكاثر بالأغصان.. ومنه ما هو في البر.. ومنه ما هو في البحر.. ومنه ما هو رطب.. ومنه ما هو يابس.. ومنه ما هو مجموع كالرمان.. ومنه ما هو مفرود كالتمر.. ومنه الكبير.. ومنه الصغير.. ومنه الكروي.. ومنه المستطيل.. ومنه القائم.. ومنه النائم.. ومنه المعلق.
فسبحان الخلاق العليم الذي خلق هذه المواليد المختلفة من أم واحدة: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)} [يس: 36].
فما أجهل البشر بخالقهم، وما أجرأ أكثرهم على معصيته: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8)} [الشعراء: 7، 8].
والله سبحانه خلق الإنسان من تراب، وأنبته من هذه الأرض، ثم يعيده بعد تمام أجله، ثم يخرجه للبعث كما قال سبحانه: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18)} [نوح: 17، 18].
وقد خلق الله سبحانه أصناف الأشجار والنبات، وزينها بالأوراق والأزهار والثمار.
وجعل الأوراق زينة للأشجار، وستراً ولباساً للثمار، ووقاية لها من الآفات التي تمنع كمالها، ولهذا إذا جردت الشجرة من الورق، ماتت الشجرة، وفسدت الثمرة ولم ينتفع بها.
ويكسو الله عزَّ وجلَّ الأشجار كل سنة لباساً جديداً من الأوراق.
فتبارك الله رب العالمين، الذي يعلم مساقط تلك الأوراق ومنابتها، فلا تخرج منها ورقة إلا بإذنه، ولا تسقط إلا بعلمه: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام: 59].
ومع هذا الجمال والزينة، وهذه الثمار المتنوعة، هناك جمال آخر، فلو شاهدها الناس وهي تسبح بحمد ربها، أغصانها وأوراقها، وأزهارها وثمارها، لشاهدوا أمراً آخر، ولرأوا خلقها بعين أخرى، ولعلموا أنها لشأن عظيم خلقت، فهي ساجدة لربها، مطيعة لخالقها الذي: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)} [الإسراء: 44].
فسبحان العزيز الجبار الكريم الرحمن، الذي يسبح له، ويسجد له، ويصلي له، جميع ما في السموات وما في الأرض من الكائنات.
وسبحان من تؤوب له الجبال بالتسبيح، وتهبط من خشيته الأحجار، وتتفجر بالماء من خشيته الصم الصلاب.
إن تكون حمل الشجر، وتقلبه من حال إلى حال كتنقل أحوال الجنين في بطن أمه، فبينما ترى الشجرة عارية، إذ كساها ربها بالزهر والورق أحسن كسوة، ثم أطلع فيها حملها ضعيفاً صغيراً.
ثم ساق إليه غذاءه في تلك العروق، فتتغذى به كما يتغذى الطفل من لبن أمه، ثم رباه ونماه حتى استوى وكمل.
فسبحان العليم القدير الذي اخرج ذلك الجني اللذيذ اللين الحلو، من تلك الحطبة الصماء، في تلك الأرض الغبراء، إن الذي أحياها لمحيي الموتى، إنه على كل شيء قدير: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)} [فصلت: 39].
مختارات