" الجَـــزَع "
" الجَـــزَع "
ذَمُّ الجَزَع والنَّهي عنه:
#### أولًا: في القرآن الكريم:
قال تعالى: " أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ " [إبراهيم: 21].
قال ابن عاشور: (وجملة " أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا " مِن كلام الذين استكبروا، وهي مستأنفة تُبين عن سؤالٍ مِن الضُّعفاء، يستفتون المستكبرين: أيصبرون أم يجزعون، تطلُّبًا للخلاص مِن العذاب، فأرادوا تأييسهم مِن ذلك، يقولون: لا يفيدنا جَزَعٌ ولا صَبْرٌ، فلا نجاة مِن العذاب. فضمير المتكلِّم المشارك شامل للمتكلِّمين والمجابين، جمعوا أنفسهم إتمامًا للاعتذار عن توريطهم) [التحرير والتنوير].
- وقال تعالى: " إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلاَّ الْمُصَلِّينَ " [المعارج: 19-22].
قال السعدي: (فيَجْزَع إن أصابه فقرٌ أو مرضٌ، أو ذهابُ محبوبٍ له، مِن مالٍ أو أهلٍ أو ولدٍ، ولا يستعمل في ذلك الصَّبر والرِّضا بما قضى الله) [تيسير الكريم الرحمن].
#### ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهطٍ سريَّة عينًا (3)... قال لهم خبيب: ذروني أركع ركعتين، فتركوه، فركع ركعتين، ثمَّ قال: لولا أن تظنُّوا أنَّ ما بي جَزَعٌ لطوَّلتها، اللَّهمَّ أحصهم عددًا) [رواه البخارى]
- عن عمرو بن تغلب: (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بمال أو سبي، فقسَّمه، فأعطى رجالًا وترك رجالًا، فبلغه أنَّ الذين ترك عَتَبُوا، فحمد الله ثمَّ أثنى عليه، ثمَّ قال: أما بعد، فوالله إنِّي لأعطي الرَّجل، وأدع الرَّجل، والذي أدع أحبُّ إليَّ مِن الذي أعطي، ولكن أعطي أقوامًا لما أرى في قلوبهم مِن الجَزَع والهلع، وأَكِلُ أقوامًا إلى ما جعل الله في قلوبهم مِن الغنى والخير، فيهم عمرو بن تغلب فوالله ما أحبُّ أنَّ لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حُمْر النَّعم) [رواه البخارى]
(أي: من شدة الألم والضجر الذي يصيب نفوسهم لو لم يعطوا من الغنيمة، فأعطيهم تأليفًا لقلوبهم، وتطييبًا لنفوسهم) [منار القارى،لحمزة محمد قاسم].
#### أقوال السَّلف والعلماء في الجَزَع:
- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه للأشعث بن قيس: (إنَّك إن صبرت؛ جرى عليك القلم وأنت مأجورٌ، وإن جَزِعت؛ جرى عليك القلم وأنت مأزورٌ) [أدب الدنيا والدين،للماوردى].
- و(قال رجل مِن الحكماء: إنَّما الجَزَع والإشفاق قبل وقوع الأمر، فإذا وقع فالرِّضا والتَّسليم) [الكامل للمبرد].
- وقال عمرو بن دينار: قال عبيد بن عمير: (ليس الجَزَع أن تدمع العين، ويحزن القلب، ولكن الجَزَع: القول السَّيِّئ والظَّنُّ السَّيِّئ) [عدة الصابرين،لابن القيم].
- و(قال بعض الحكماء: إن كنت تجزع على ما فات مِن يدك، فاجزع على ما لا يصل إليك) [أدب الدنيا والدين،للماوردى].
- و(قال ابن السَّماك: المصيبة واحدة، فإن جَزِع صاحبها فهما اثنتان. يعني فقد المصاب، وفقد الثَّواب) [ربيع الأبرار،للزمخشرى].
#### من آثار الجَزَع:
1 - الدُّعاء على النَّفس [فيض القدير،للمناوى].
2 - يورث الحسرة، وبقاء النَّدامة:
(قيل للأحنف: إنَّك لصبورٌ على الجَزَع ! فقال: الجَزَع شرُّ الحالين؛ يباعد المطلوب، ويورث الحسرة، ويُبقي على صاحبه النَّدم) [المجالسة وجواهر العلم،لأبكر الدينورى].
3 - سوء الظن بالله، وعدم الثقة به سبحانه.
4- انتفاء كمال الإيمان.
5 -عدم الرضا بالمقدور، وعجزه عن فعل المأمور.
6- استحقاق العذاب في الآخرة.
#### أقسام الجَزَع:
الجَزَع على قسمين:
1 - الجَزَع في الخطايا.
2 - الجَزَع في المصائب.
وفي ذلك يقول سعيد بن جبير عندما سئل عن الجَزَع: (الجَزَع على نحوين: أحدهما في الخطايا، أن يجزع الرَّجل إليها، والآخر في المصائب، فأمَّا جزع المصيبة: فهو ألَّا يحتسبها العبد عند الله، ولا يرجو ثوابها، ويرى أنَّه سوءٌ أصابه، فذلك الجَزَع، ويفعل ذلك وهو متجلِّدٌ لا يبين منه إلَّا الصَّبر) [رواه ابن أبى الدنيا فى الصبر والثواب].
#### من صور الجَزَع:
1- تمنِّي الموت.
2- ضرب الخدود.
3- شقُّ الثَّياب.
4- نشر الشُّعور.
5- الدُّعاء بالويل والثُّبور.
من أسباب الوقوع في الجَزَع:
1- الأسف وشدَّة الحسرة، فلا يرى مِن مصابه خلفًا، ولا يجد لمفقوده بدلًا؛ فيزداد بالأسف وَلَهًا، وبالحسرة هلعًا، ولذلك قال الله تعالى: " لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ " [الحديد: 23].
اليأس مِن جبر مصابه، وطلابه، فيقترن بحزن الحادثة قنوط الإياس، فلا يبقى معهما صبرٌ، ولا يتَّسع لهما صدرٌ، وقد قيل: المصيبة بالصَّبر أعظم المصيبتين.
قال ابن القيِّم: (وإذا اطمأنَّ إلى حكمه الكوني: عَلِمَ أنَّه لن يصيبه إلَّا ما كتب الله له، وأنَّه ما يشاء كان، وما لم يشأ لم يكن،فلا وجه للجَزَع والقلق إلَّا ضعف اليقين والإيمان، فإنَّ المحذور والمخوف: إن لم يُقَدَّر فلا سبيل إلى وقوعه، وإن قُدِّر فلا سبيل إلى صرفه بعد أن أُبْرِم تقديره. فلا جَزَع حينئذ لا ممَّا قُدِّر ولا ممَّا لم يُقَدَّر) [مدارج السالكين].
2- عدم الاستعانة بالله في المصيبة.
3-عدم النَّظر إلى مَن هم أشدُّ منه مصيبة وغمًّا وألـمًا.
4- العَجْز: قال ابن القيِّم: (الجَزَع قرين العَجْز وشقيقه... فلو سُئِل الجَزَع: مَن أبوك؟ لقال: العَجْز) [عدة الصابرين].
5-- ترك الرِّضا بما يوجب القضاء.
#### من الوسائل المعينة على ترك الجَزَع:
1- قوَّة الإيمان:
فعن صهيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرًا له) [رواه مسلم].
2- ذكر الله:
فذِكْرُ الله يعين على الثَّبات في الشَّدائد، قال تعالى: " وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ " [الأنفال: 45].
ذكر القرطبيُّ أقوالًا للعلماء في معنى هذه الآية، منها: (اذكروا الله عند جَزَع قلوبكم، فإنَّ ذِكْرَه يعين على الثَّبات في الشَّدائد) [تفسير القرطبى].
3- العلم بأنَّ الجَزَع يُشمِتُ الأعداء.
4- العلم بأنَّ الجَزَع يَسُوء الأصدقاء.
5- العلم بأنَّ الجَزَع يُغْضِب الله.
6- العلم بأنَّ الجَزَع يَسرُّ الشَّيطان.
7- العلم بأنَّ الجَزَع يُحْبِط الأجر.
مختارات