اغتسال النبي ( صلى الله عليه وسلم )
الغُسل المراد هنا بضم الغين أو فتحها: هو فعل الاغتسال أو الماء الذي يُغتسل به.
وهو لغة: سيلان الماء على الشيء مُطلقاً.
شرعاً: إفاضة الماء الطهور على جميع البدن على وجهٍ مخصوص.(انظر الفقه الإسلامي وأدلته – وهبة الزحيلي - (1/358)
من المعلوم لدينا جميعاً أن الإسلام دين النظافة والطهارة، والنزاهة عن كل ما يُستقذر، ويُستقبح ظاهراً، وباطناً، ولما كانت النظافة تثير في النفس الحيوية والنشاط، ولما كان جسم الإنسان يخرج منه العرق ويصحبه شيء من الروائح التي تُستقذر عند كثير من الناس، والتي يكون سببها بعض المأكولات أو الغبار الذي يتعرض له الجسم لكل ذلك والله أعلم شرع الله لنا على لسان أطهر الخلق محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) الغسل والاغتسال.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:
(وهذا من أعظم محاسن الشريعة وما اشتملت عليه من الرحمة، والحكمة والمصلحة)
(أنظر الأغسال أحكامها وأنواعها من خلال السنة المطهرة د/ عبد الله الشريف ص6).
وسنتحدث بمشيئة الله - عز وجل - في هذا المبحث عن غُسله ( صلى الله عليه وسلم ).
وفيه أنواع:
الأول: صفة غسله ( صلى الله عليه وسلم ):
ورد في صفة غسله ( صلى الله عليه وسلم ) من الجنابة أحاديثٌ كثيرة عن عائشة، وعن ميمونة، وجابر بن عبد الله وجبير بن مطعم رضي الله عنهم أجمعين، وأجمعُ هذه الأحاديث حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا اغتسل من الجنابة، يبدأ فيغسل يديه ثم يُفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ،[1] ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر، ثم حفن على رأسه ثلاث حفنات،[2] ثم أفاض الماء على سائر جسده، ثم غسل رجليه). رواه البخاري 1/ 119-127 كتاب أحكام الغسل باب الوضؤ قبل الغسل.
الثاني: في غسله الواحد للمرات من الجماع:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يطوف على نسائه بغُسلٍ واحد). البخاري 1 / 324 -كتاب الغسل- باب إذا جامع ثم عاد. ومسلم-كتاب الحيض-باب جواز نوم الجنب (1/249) برقم 309.
الثالث: في استتاره ( صلى الله عليه وسلم ) من الاغتسال بثوبٍ مع بعض أصحابه:
عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمر علياً فوضع له غُسلاً، ثم أعطاه ثوباً، فقال: أُسترني وولني ظهرك). مسند أحمد-كتاب ومن مسند بني هاشم-باب باقي مسند الأنصار
عن أبي السمح رضي الله عنه قال: كنت أخدُم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إذا أراد أن يغتسل قال: (ولِّني ظهرك) فأوليته قفاي، وأنشُر الثوب وأستره). (رواه أبو داود). أنظر صحيح برقم 400.
عن ميمونة رضي الله عنها قالت: وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء وسترته فاغتسل. أخرجه مسلم 1/266.
الرابع: في اغتساله ( صلى الله عليه وسلم ) من الإغماء:
عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة قال: دخلتُ على عائشة رضي الله عنها فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )؟ فقالت: بلى ثقل النبي (صلى الله عليه وسلم ) فقال: (أصلى الناس؟) قلنا: لا هم ينتظرونك قال: (ضعوا لي ماء المخضب). (رواه البخاري ومسلم). أنظر مختصر صحيح مسلم كتاب الصلاة باب استخلاف الإمام إذا مرض وصلاته بالناس الألباني برقم 319
الخامس: في اغتساله مع بعض نسائه من إناءٍ واحد:
عن معاذة عن عائشة رضي الله عنهما قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من إناء واحد بيني وبينه فيبادرني حتى أقول دع لي دع لي قالت وهما جنبان.مسلم-كتاب الحيض-باب القدر المستحب لغسل الجنابة (1/257) برقم 321.
عن أم هانئ رضي الله عنها: أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اغتسل هو وميمونة من إناء في قصعةٍ فيها أثر العجين) سنن النسائي-كتاب الطهارة-باب ذكر الاغتسال في القصعة التي يعجن فيها (1 /142)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من إناءٍ واحد تختلف أيدينا فيه من الجنابة) البخاري-كتاب الغسل-باب هل يدخل الجنب يده في الإناء قبل أن يغسلها(1/444) برقم 261
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )والمرأة من نسائه يغتسلان من إناءٍ واحد) رواه البخاري. كتاب الغسل – باب هل يدخل الجنب يده في الإناء قبل أن يغسلها – (1/446) برقم 265
قلت: وهذا من تواضعه عليه الصلاة والسلام، ومكارم أخلاقه، وحسن معاشرته لنسائه وتبعله لهن كيف لا وهو القائل: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي). أنظر صحيح ابن ماجة برقم 16081 الألباني
السادس: في القدر الذي كان يغتسل به ( صلى الله عليه وسلم ):
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )يغتسلُ من إناءٍ هو الفَرَقُ من الجنابة. مسلم-كتاب الحيض-باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة (1/255) برقم 319
قال سفيان: والفَرَق ثلاثة آصُع.
وعنها أيضاً أنها كانت تغتسل هي ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من إناءٍ واحدٍ يسعُ ثلاثة أمدادٍ أو قريباً من ذلك. رواه مسلم - كتاب الحيض – باب القدر المستحب لغسل الجنابة – (1/256) برقم 321)
السابع: في تنشُفه من الغُسل ( صلى الله عليه وسلم ):
عن أم هانئ رضي الله عنها: أنه لما كان عام الفتح أتت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو بأعلى مكة، قام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى غُسله فسترت عليه فاطمة، ثم أخذ ثوبه فالتحف به). أخرجه مسلم –كتاب الحيض-باب تستر المغتسل بثوب ونحوه (1/266) برقم 336.
الثامن: لم يكن يتوضأ ( صلى الله عليه وسلم ) بعد الغسل:
عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان لا يتوضأ بعد الغُسل. رواه الترمذي (1/179). أنظر صحيح الترمذي المجلد 1 برقم 93 الألباني
تاسعاً: في امتناعه ( صلى الله عليه وسلم ) من قراءة القرآن وهو جنب:
عن علي - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )يقضي حاجته ثم يخرج فيقرأ القرآن ويأكلُ معنا اللجم ولا يحجزه ورُبّما قال: لا يحجبه من القرآن شيء إلا الجنابة. رواه أحمد في المسند (1/83) كتاب مسند العشرة المبشرين بالجنة-باب مسند علي بن أبي طالب. أنظر تمام المنة برقم 55 الألباني.
قلت: فالمقصود من ذكر هذه الأمثلة والأدلة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يحرص على الاغتسال ويأمر به؛ لأن في ذلك منافع عظيمة تعود للإنسان من جراء اهتمامه بالنظافة وتأسيه بقدوته عليه الصلاة والسلام: فأين نحن من ذلك..!؟
وفي ختام هذا المبحث لا بأس أن نعرج على بعض الفوائد الصحية للغُسل:
يقول الدكتور على عويضة:
ونظافة الجسم تمنعُ الإصابة بالأمراض الخبيثة، وتفتح المسام فيخرج العرق ونظافته بانتظام عن طريق الاستحمام يومياً في الصيف ومرة كل أسبوع في الشتاء، تنعش المرء، وتنشط الدورة الدموية.
ويقول الشيخ / عفيف طبارة:
" وقد ثبت طبياً وعلمياً أن الجسم الإنساني يفقدُ من حيويته بعد الانتهاء من الاتصال الجنسي وليس من شيء يعيده إلى تلك الحيوية مثل أن يغسل الجسم كله ويدلكه جزءاً جزءاً بالماء للتنظيف ". المصدر السابق.
ويقول الدكتور / أمين رويحة:
" أن الاغتسال علاجٌ لكثير من الأمراض العضوية والنفسية ".
ويقول الدكتور/ وليد رومان:
" إن الجلد يعلب دوراً كبيراً فهو مهمٌ للصفاء الذهني وإنَّ الجلد الجميل والجذاب يعني الصحة والعلاج بالماء يُبقي الجلد في حالة جيدة ".
قلت: وبعد هذه الأدلة والشواهد من سيرته ( عليه الصلاة والسلام ) فلا يبقى لنا إلا الامتثال والعمل، (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين).
ملاحظة مهمة:
لمزيد من الفائدة يراجع كتاب: (الأغسال أحكامها وأنواعها من خلال السنة المطهرة. د/ عبد الله الشريف
[1]- أجمع العلماء على استحباب الوضوء قبل الغُسل تأسياً برسول الله ( صلى الله عليه وسلم )؛ ولأنه أعون على الغسل، وأهذب.
[2]- الحفنة: ملئ الكف. (انظر الفقه الإسلامي وأدلته – وهبة الزحيلي (1/368).
مختارات