فقه اليقين (٣)
والفرق بين يقين المؤمن، ويقين الكافر:
أن المؤمن يقينه أن كل شيء بأمر الله.
وجوده بأمر الله.
وزواله بأمر الله.
وزيادته بأمر الله.
ونقصه بأمر الله، ونفعه بأمر الله.
وضرره بأمر الله.
وكثرته بأمر الله.
وقلته بأمر الله.
أما الكافر فيقينه على ما يراه من الأسباب فقط.
وقد فسد يقين كثير من المسلمين من ثلاثة وجوه:
الأول: إذا سألت المسلم، كيف نحصل على المال؟.
قال بالعمل أو التجارة، وكذلك يقول اليهودي والنصراني وكل كافر، فصار يقين هؤلاء كيقين الكفار على الأسباب.
الثاني: إذا سألت المسلم كيف نحصل على الأشياء كالطعام واللباس ونحوهما؟، قال بالمال، وهذا ما يقوله اليهودي والنصراني وكل كافر.
الثالث: إذا سألت المسلم كيف تصلح أحوالنا؟، وكيف يذهب عنا الخوف والذلة والجوع؟.
قال: إذا كانت عندنا القوة والمال والأشياء، وهذا ما يقوله اليهودي والنصراني، وكل كافر.
ولكن مقتضى الإيمان أن يقول المؤمن:
المال لا يأتي إلا بإرادة الله.
والعمل والتجارة سبب.
والأشياء لا تأتي إلا بإرادة الله.
والأحوال لا تصلح إلا بإرادة الله.
فهو الذي يفعل ما يشاء.
ويغير إذا شاء.
ويبدل إذا شاء، فما شاء الله كان.
وما لم يشأ لم يكن.
وبيده كل شيء كما قال سبحانه: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦)} [آل عمران: ٢٦].
فالله عزَّ وجلَّ يفعل ما يشاء.
ويخلق ما يشاء.
تارة بالأسباب.
وتارة بضد الأسباب.
وتارة بدون الأسباب.
واليقين يقوم على أصلين:
الأول: يقين على المشاهدات، ويتركز في القلوب بمشاهدة المخلوقات والكائنات والنظر إليها نظر اعتبار وتفكر، فنرى المخلوقات ونذكر الخالق، ونرى الصور ونذكر المصور، ونرى الأرزاق ونذكر الرازق.
وهكذا.
الثاني: يقين على الغيبيات كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار، ويثبت في القلوب بكثرة المذاكرة حولها.
وإذا جاء اليقين على ذات الله، وعلى عظمة الله وقدرته، فالله عزَّ وجلَّ يسخر الكائنات لخدمة أوليائه، وإهلاك أعدائه، حتى يكون الغائب كالشاهد.
وإذا جاء اليقين على ذات الله، وعلى عظمة الله وقدرته، فالله عزَّ وجلَّ يسخر الكائنات لخدمة أوليائه، وإهلاك أعدائه.
كما سخر الماء لتدمير كفار قوم نوح، وإهلاك فرعون وقومهم.
وكما أرسل الريح لتدمير كفار قوم عاد.
وهكذا النار سخرها الله لحفظ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -.
وهكذا النار أرسلها الله على قوم شعيب فأهلكتهم.
وهكذا جبريل أرسله الله إلى قوم لوط فقلب ديارهم عليهم.
وهكذا قوم ثمود أهلكهم الله بالصيحة.
ولكن الكفار اجتهدوا لإفساد يقين المسلمين على ربهم، فصرفوهم عن الاستفادة من قدرة الله إلى اليقين على الأسباب والأشياء، لأنهم يعرفون أن المسلمين لو رجعوا للاستفادة من قدرة الله بالإيمان والأعمال الصالحة لنصرهم الله وأعزهم فهزموهم، وكسروا دولتهم.
فلذلك جرُّوا المسلمين إلى يقينهم ليكونوا وراءهم ولا يسبقونهم.
والله عزَّ وجلَّ أطلع إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - على ما في ملكوت السموات والأرض من المخلوقات، فلما علم أنه ليس بيدها شيء، وأن أمرها بيد الله وحده، صرف وجهه عن هذه الأشياء إلى خالق هذه الأشياء، وتوكل عليه وحده في جميع أموره فقال: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩)} [الأنعام: ٧٩].
وبهذا اليقين العظيم واجه الباطل، وأنجاه الله من ظلم الطغاة، فلما ألقوه في النار، أنجاه الله من النار، وانتصر التوحيد على الشرك.
وكثير من الناس يقينه في الظاهر على الله، وفي الباطن على الأموال والأشخاص والأشياء، وهذا ليس بصحيح، فإن قاضي الحاجات واحد لا شريك له، وإن كان الله يقضي ببعض الأسباب حاجات بعض الناس امتحاناً وابتلاء، فالأسباب يبتلي بها المسلم، ويطمئن بها الكافر.
فالمؤمن يقينه على الله وحده، والكافر يقينه على الأسباب وحدها.
وكلما دخل حب الدنيا في القلب ضعف اليقين، ثم ضعف الإيمان، ثم ضعفت العبادة، ثم ضعف امتثال أوامر الله في جميع شعب الحياة، ثم جاء غضب الله وسخطه، ثم حلت العقوبات بالأمة.
وكلما استعملت الأمة النفس والمال والوقت على مراد النفس لا على مراد الله جاءت العقوبات والمصائب في الدنيا والآخرة كما قال سبحانه: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤)} [طه: ١٢٣، ١٢٤].
وثمرة الإيمان بالله وإخلاص العمل له حصول اليقين على ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وخزائنه ووعده ووعيده، وعدم الالتفات إلى ما سواه.
وبكمال الإيمان، وكمال اليقين، وكمال التقوى تحصل الخيرات.
وتنزل البركات.
وتقضى الحاجات في الدنيا والآخرة.
وكلما زاد الجهد لدين الله زاد الإيمان، ثم زاد اليقين، ثم زادت التقوى.
مختارات

