أصل الحسد
وأصل الحسد: هو بغض نعمة الله على المحسود وتمني زوالها.
فالحاسد عدو النعم، وهذا الشر من خبث نفسه وشرها، بخلاف السحر فإنما يكون باكتساب أمور أخرى، واستعانة بالأرواح الشيطانية.
فلهذا والله أعلم قرن الله بين شر الحاسد وشر الساحر؛ لأن الاستعاذة من شر هذين تعم كل شر يأتي من شياطين الإنس والجن كما قال سبحانه: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (٥)} [الفلق: ١ - ٥].
فالحسد من شياطين الإنس والجن، والسحر من النوعين، لكن شياطين الجن ينفردون بالوسوسة في القلب، فالحاسد والساحر يؤذيان المحسود والمسحور بلا عمل منه، بل هو أذى من أمر خارج عنه.
والوسواس إنما يؤذي العبد من داخل بواسطة مساكنته له وقبوله منه.
واليهود أسحر الناس وأحسدهم كما قال الله عنهم: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٩)} [البقرة: ١٠٩]. إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (٥٤)} [النساء: ٥٤].
والشيطان يقارن الساحر والحاسد ويحادثهما ويصاحبهما.
ولكن الحاسد تعينه الشياطين بلا استدعاء منه للشيطان؛ لأن الحاسد شبيه بإبليس وهو من أتباعه؛ لأنه يطلب ما يحبه الشيطان من فساد الناس وزوال النعم عنهم، كما أن إبليس حسد آدم لشرفه وفضله، وأبى أن يسجد له حسداً، فالحاسد من جند إبليس.
وأما الساحر فإنه يطلب من الشيطان أن يعينه، ويستعين به، وربما يعبده من دون الله حتى يقضي له حاجته، وربما يسجد له.
وكلما كان الساحر أكفر وأخبث، وأشد معاداة لله ورسوله وعباده المؤمنين كان سحره أقوى وأنفذ وأشد.
ولهذا سِحْر عباد الأصنام أقوى من سِحْر أهل الكتاب، وسحر اليهود أقوى من سحر المنتسبين إلى الإسلام، واليهود هم الذين سحروا النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقوله سبحانه: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (٥)}... [الفلق: ٥].
يعم الحاسد من الجن والإنس، فإن الشيطان وحزبه يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من فضله، كما حسد إبليس أبانا آدم، وهو عدو لذريته.
ولكن الوسواس أخص بشياطين الجن، والحسد أخص بشياطين الإنس.
فنعوذ بالله العظيم الذي لا أعظم منه، وبكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، وبأسمائه الحسنى ما علمنا منها وما لم نعلم من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ونعوذ بالله من غضبه وعقابه وشر عباده.
والفرق بين الحسد والمنافسة:
أن الحسد شدة الأسى على الخيرات تكون للناس الأفاضل، وتمني زوالها عنهم، والمنافسة طلب التشبه بالأفاضل من غير إدخال ضرر عليهم.
فالحسد رذيلة مذمومة، والمنافسة في الخيرات فضيلة محمودة؛ لأنها داعية إلى اكتساب الفضائل، والاقتداء بالأفاضل وبحسب فضل الإنسان وظهور النعمة عليه يكون حسد الناس له، فإن كثر فضله كثر حساده، وإن قل قلوا؛ لأن ظهور الفضل يثير الحسد، وحدوث النعمة يضاعف الكمد.
مختارات