الرجل الذي استمع للبخاري كاملاً
في عام 1428 هـ، كنتُ في مدينة جيزان لإلقاء محاضرة، وفي أثناء جلوسي في مقر الضيافة زارني رجل كبير في السن ربما كان عمره فوق الستين، وتحدثنا عن بعض الموضوعات العلمية وأعجبني أسلوبه، وشعرتُ أنه مليء بالعلم والفوائد، فسألته: هل لديك برنامج للقراءة أو هل طلبتَ العلم عند أحد ؟
فقال: لا، ولكنني أجلس على إذاعة القرآن كل يوم عدة ساعات، وقد استمعتُ إلى صحيح البخاري كاملاً وتفسير القرآن كاملاً وكنتُ أسجل تلك الدروس في أشرطة وأعيد سماعها بين وقت وآخر.
فتعجبت من هذه الهمة العالية مع كِبر سنّه، ولكنها الهمم التي لاتعرف الأعمار.
وفي مغرب ذلك اليوم كانت محاضرتي في محافظة أبي عريش، وأثناء المحاضرة جاء شاب ووضع أمامي مسجل لتسجيل المحاضرة وكان المسجل كبيراً نوعاً ما - ليس من المسجلات الجديدة الذكية - ثم دخل رجلان المسجد، رجل يقود أعمى معه، فتعجبت من هذا المشهد.
وبعد نهاية المحاضرة ذهبنا للمكتب التعاوني للعشاء، ثم دخل الرجلان اللذان رأيتهما في المحاضرة، فإذا به الرجل الذي قابلته في الصباح صاحب الإذاعة، ومعه أخوه، وقال لي: هذا أخي كفيف البصر وهو أكبر مني، ذهبت لأحضره ليستفيد من المحاضرة، والمسجل الذي كان أمامك ياشيخ هو لي، أمرت أحد الأولاد أن يضعه أمامك لأستفيد من المحاضرة لأنه فاتتني مقدمتها لأني ذهبت لإحضار أخي.
ما أعجب همة هذا الرجل في سماع العلم وتسجيله، وما أعجب حرصه في إحضار أخيه ليستفيد من مجالس الذكر.
مختارات

