أنماط: (3) نمط المتزهد
ومن الأنماط أيضًا نمط الأخ المتزهد..
وهذا النمط يفهم الزهد على أنه تكلُّف الفقر، وشظف العيش، ولزوم الخشن من الثياب، وتناول الرديء من الطعام، وترك التمتع بما أحل الله من الطيبات!
وهذا الظن يناقض حال سيد الزاهدين رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فهو لم يطلب الفقر أبدًا ولم يسعَ إليه قط،
بل الصحيح أنه كان يتعوَّذ منه مُقرِنًا ذلك بتعوذه من الكفر..
فهل يتصور عاقل أن يتعوَّذ النبى صلى الله عليه وسلم من شيء يتقرَّب به إلى الله؟!
الجواب: لا.
رسول الله ما طلب الفقر ولكنه رضي وصبر حين ابتلي به..
ما سخط على نقص طعام وما ضايقته خشونة ثوب..
وحين فُتِحَت الدنيا وجاء المال أنفق نفقة الزاهد الذي لم تتسرَّب الدنيا إلى قلبه لحظة حتى صاح من رأى عين الزهد في تلك النفقة: " إن محمدًا يُنفِق نفقة من لا يخشى الفقر أبدًا ".
هذه هي حقيقة الزهد..
تُقبِل الدنيا أو تُدبِر.. يُعطى المرء أو يُمنع.. كل ذلك عنده سواء..
لا تتسرَّب الدنيا إلى صدره فيفرح بإقبالها، ولا تتمكن من نفسه فيحزن لإدبارها، فإرادتها لم تسكن روحه ولا لامست شغاف قلبه..
وبهذا المعيار قد تجد أكثر الناس مالًا وولدًا بينما قلبه مفعم بالزهد مستعد للبذل مائل للعطاء..
وعلى النقيض قد ترى أقل الناس مالًا وأشدهم فقرًا وأغلظهم عيشًا ومع ذلك يُمزِّق الطمع نياط قلبه، وتُمزِّق الشهوات نفسه؛ فهو على فقرة وشظف عيشه أبعد ما يكون عن الزهد!
فالقضية يا صديقي المتزهد ليست في ما معك أو ليس معك؛ القضية هاهنا بمرادك وسعيك ومبتغاك ومنتهى أملك.. فتلمَّس حال قلبك..
وتذكَّر أن المذموم من أمر الدنيا في كتاب الله هو إرادتها ورجاؤها والرضا بها..
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يعملون} [هود:15-16]..
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء:18]..
{إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ. أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [يونس:7-8].
تأمَّل..
{يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}، {يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ}، {رَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا}، {وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا}..
تأمَّل تلك الأفعال جيدًا.. وسل نفسك أين أصلها ومحلها؟
تَعرِف ما هو الزهد حقًا..
مختارات