فقه حسن الخلق (٤)
ومن فوائد مكارم الأخلاق:
محبة الله ورسوله للعبد.. وكثرة الأجر والثواب.. وحفظ الأعمال الصالحة.. ومعية الله للعبد.. ومحبة الناس له.. وجذب الناس إلى الدين.. ومحبتهم له.. ودخولهم فيه.
وكما أن للمؤمنين علامات.. وللكفار علامات.. وللحي علامات.. وللميت علامات، فكذلك أهل الأخلاق الحسنة لهم علامات.. وأهل الأخلاق السيئة لهم علامات:
أما علامات حسن الخلق، فقد يجاهد الإنسان نفسه حتى يترك الفواحش والمعاصي، ثم يظن أنه قد هذب نفسه، واستغنى عن المجاهدة، وليس كذلك.
فإن حسن الخلق: هو مجموع صفات المؤمنين التي وصفهم الله بها حين اشترى منهم أنفسهم وأموالهم فقال: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢)} [التوبة: ١١٢].
وقال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)} [الأنفال: ٢ - ٤].
وقال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (٤) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (٧) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (٨) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٩) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١١)} [المؤمنون: ١ - ١١].
ومن صفاتهم التي وصفهم بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
محبة الله ورسوله.. ومحبة دينه.. ومحبة المؤمنين.. وإكرام الجار.. وإكرام الضيف.. والقول الحسن.. والعفو.. وكف الأذى.. والصبر.. واحتمال الأذى.. وصلة الرحم.. والحلم والأناة.. والرفق والسماحة.. والعدل والإحسان.. والرحمة والشفقة.. وحفظ اللسان والسمع والبصر.
ومن لم يجد في نفسه هذه الصفات، أو بعض هذه العلامات، فليجاهد نفسه حتى تصير صفة له.
وقد بعث الله رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - متمماً لمكارم الأخلاق، فكان خلقه القرآن، وكان أحسن الناس خَلْقاً وخُلُقاً، يأمر بكل خير، ويكون أسبق الناس إليه، وينهى عن كل شر ويكون أبعد الناس منه، جمع مع جمال الباطن جمال الظاهر، فكان قدوة للناس، وأسوة للبشرية إلى يوم القيامة:
في الإيمان.. والعبادات.. والمعاملات.. والمعاشرات.. والأخلاق.
وأمرنا الله عزَّ وجلَّ بالاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - في سائر أحواله - صلى الله عليه وسلم - كما قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (٢١)} [الأحزاب: ٢١].
فكل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها له أدب:
مع الله.. ومع كتابه.. ومع رسوله.. ومع نفسه.. ومع غيره..
فأدبه مع الله: يكون بالإيمان بالله، وتوحيده، وتعظيمه، ومحبته، وطاعته، وعبادته وشكره، والتوكل عليه، والحياء منه.
وأدبه مع كتاب الله: يكون بحسن تلاوته، وسماعه، والعمل بما فيه، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وتصديق أخباره، وإبلاغه للناس، والإعراض عما سواه.
وأدبه مع رسول الله: يكون بطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع.
وأدبه مع نفسه: يكون بحملها على طاعة الله ورسوله، وامتثال جميع أوامر الله على طريقة رسول الله، وفعل الخيرات، واجتناب المنكرات.
وأدبه مع غيره: يكون بالعدل والإحسان، وحسن الخلق، والتوقير والإكرام، والإحسان إلى إخوانه المسلمين، وجيرانه، ووالديه، وأقاربه، وسائر الناس، وسائر المخلوقات، فالمؤمن كالغيث أينما حل نفع، وكالشمس حيث سار أنار.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» متفق عليه (١).
وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: «تَقْوَى اللهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ» وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالََ: «الْفَمُ وَالْفَرْج» أخرجه الترمذي وابن ماجه (٢).
فكل عبد عليه حقان:
حق الله عزَّ وجلَّ.. وحق لعباده.
فالحق الذي عليه لا بدَّ أن يخل ببعضه أحياناً إما جهلاً، أو نسياناً، أو تهاوناً، إما بترك مأمور، أو فعل محظور، فأمره بتقوى الله.
والمسلم يعمل ويخطئ عمداً وسهواً، فأمره بفعل الحسنات التي تزيل السيئات وتمحوها.
وبهذا وذاك يكون قد قضى حق الله من العمل الصالح، وإصلاح الفاسد.
ثم قال: وخالق الناس بخلق حسن، فهذا حق الناس.
وجماع ذلك:
أن تصل من قطعك بالسلام والإكرام والدعاء له.. وتعطي من حرمك من العلم والمال.. وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عرض.. وتحسن إلى من أساء إليك.
ومعية الله ونصرته ومحبته تكون لمن اتصف بالصفات الإيمانية كالتقوى والتوكل، والصبر والإحسان، والإيمان وغيرها.
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٤٨١)، ومسلم برقم (٢٥٨٥). واللفظ له.
(٢) حسن: أخرجه الترمذي برقم (٢٠٠٤) وهذا لفظه، صحيح سنن الترمذي رقم (١٦٣٠).
وأخرجه ابن ماجه برقم (٤٢٤٦)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (٣٤٢٤).
مختارات