حول سيدة آي القرآن وأعظم آية في كتاب الله الحكيم
ورد في الأحاديث الصحيحة تفضيل سور القرآن الكريم، ولبعض آيات القرآن الكريم، فسورة البقرة: كانت تؤهل حاملها أن يصبح أمير صحبة، وهي تأتي يوم القيامة هي وسورة آل عمران تحاجان أي- تُدافعان عن حاملهما- وسورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، وسورة الأنعام نزلت جملة واحدة، وشيّعها سبعون ألف ملك، وآية سورة الأنعام: ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا هُوَ﴾ [الأنعام:59]وحدها نزل معها اثنا عشر ألف ملك.
وللعلماء في تفصيل بعض السور والآيات أقوال اطمأننت منها إلى قول واحد، وهو: أن القرآن العظيم لا تفاوت في أسلوبه؛ إذ جميعه من الكلام المعجز. وسورة أبي لهب لا تقل في روعة الأسلوب وبلاغته عن سورة الإخلاص، لكن الآيات والسور تتفاوت من حيث جلال موضوعاتها، ومن هنا جاء فضل سورة الإخلاص مثلاً، وذلك لأن موضوعها وصف لذات الله جل جلاله. ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرّ الناس بالآيات المشتملة على كلمة التوحيد كقوله تعالى في مطلع آل عمران: ﴿الم1/3اللهُ لا إِلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [آل عمران:1-2]، وكقوله تعالى في وسط سورة البقرة: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَّا إِلَهَ إلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة:163] وسأتناول بالشرح والتعليق آية من القرآن الكريم وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها سيدة آي القرآن، وأعظم آية في كتابة الله الحكيم، فقد جاء في صحيح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب- رضي الله عنه-: «أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم» فقال أبي: آية الكرسي، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره، وهو يقول: «ليهنك العلمُ يا أبا المنذر، والذي نفسي بيده إن لهذه الآية للسانا وشفتين تقدّس الملك عند ساق العرش»، وكان عبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنهما- إذا دخل بيته قرأ آية الكرسي في زوايا بيته الأربع يرجو بذلك أن تكون له حارساً، وتنفي عنه الشياطين. وقال ابن عباس – رضي الله عنهما- أشرف آية في القرآن آية الكرسي. وروى أنها نزلت ليلا فدعا النبي صلى الله عليه وسلم زيداً بن ثابت. في الحال فكتبها، وسبب شرفها أنها تضمنت من أسماء الله الحسنى وصفاته العلا ظاهرةً ومضمرة ما لم تتضمنه آية في القرآن العظيم، وعدد كلماتها خمسون كلمة، والمسلمون يقرؤونها يلتمسون منها اسم الله الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب.
وقد تأملت هذه الآية العظيمة فلفتت نظري فيها أمور كثيرة منها:
أولاً: ورد في الآية ستة من أسماء الله الحسنى وهي: الله، ولا إله إلا هو، والحي، والقيوم، والعليُّ، والعظيم، وهي بعدد الأيام التي خلق فيها السموات والأرض، ويلاحظ أن هذه الأسماء الحسنى تنطق بها السموات والأرض عند أول تدبر وتفكر في خلقهما، فالذي خلق هذا الخلق العظيم لا بد أن يكون واحد، إذ لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، ولا بد أنه حي دائم؛ لأنه لا يهب الحياة إلا حيّ، ولا يدبر هذا الخلق وهذا الأمر إلا إله حيُّ باقٍ لا يعتريه العدم. وهو قيوم؛ أي عظيم القيام والتدبير، وهو صيغة على وزن فيعول تفيد المبالغة في القيام على أمر الدنيا، جلت أسماؤه قائم على كل نفس وكل خلق يراقب ويدبر، ويقضي ويقدر، وهو عليّ تنطق السموات بعلوه، وعظيم تنطق عظمة خلقه بعظمته، ومما يدل على تناسب عدد الأسماء في هذه السورة مع أيام خلق السموات والأرض، أن سائر الآية الكريمة كله يتعلق بحفظ السموات والأرض، إذ من الطبيعي ألا يغفل الله ولا ينام لأنه لو حصلت منه سنة أي- نعاس أو نوم- لتحطمت السموات والأرض، وفي بقية الآية ﴿لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إلَّا بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾ [البقرة:255] أي يعجزه.
ثانياً: أن مقاطع هذه الآية عشرة مقاطع تدور كلها حول موضوع واحد، الوحدانية في العبادة والخلق والتدبير.
﴿اللهُ لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ﴾: هو الإله الواحد المعبود بحق، وكلُّ ما عداه من المعبودات لغو ورد.
﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾: صفتان متلازمتان في التدبير، إذ لا يمكن أن يقوم على أمر السموات والأرض ويدبر أمرهما إلا حيّ دائم لا يموت.
﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾: الخلق والأمر والتدبير والقيامة العظمى لا يمكن أن تصحبها غفلة، أو سهو، أو سنة أو نوم.
﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ﴾: له الشفاعة جميعها؛ لأنه هو الذي خلق الخلق ويعلم دخائلهم فهو أَقَرب إلى الإنسان من حبل وريده فهو أولى به وأعلم، لكنه جلّ وعلا يمنح الشفاعة بإذنه لمن يصطفيهم، لكن وهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى.
﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾: العلم المطلق للماضي والمستقبل من ضروريات تدبير الخلق، وهذا العلم الإلهي مطلق لما كان ولما هو كائن ولكل صغيرة وكبيرة، والله جل وعلا متفرد بهذا العلم غيبه وشهادته، فهو فيه واحد وكل من عداه لا يعلم إلا ما يعلمه ربه.
﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إلَّا بِمَا شَاء﴾:كل ما يكتشفه البشر من علم الله جلَ وعلا وما يخترعون من جديد، يأتيهم في أوانه بمشيئة الله لحكمة إلهية. فإذا أطلعهم على سر الكهرباء أو البخار أو الإشعاع فتلك أسرار قديمة احتفظ الله بها في علمه، إلى أن صدرت مشيئته بإطلاع الإنسان عليها في العصر الحديث.
﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾: هو كرسي لا تحيط العقول بكنهه، لائق بجلال الله وعظمته، علينا أن نؤمن به ولا نسأل عن شكله، بل نوحد مالكه وصاحبه.
﴿وَلَا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾: هذا الإله الواحد الأحد الفرد الصمد، لا يعجزه أن يستمر في حفظ السموات والأرض، وفي تدبير أمرهما إلى ما شاء الله.
﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾: لأن من خلق السموات والأرض لا بد أن يكون عالياً تتطامن له السموات، عظيما يعنو له من في السموات ومن في الأرض.
اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه.
* المصدر: من لطائف التفسير: أحمد عقيلان.
مختارات