" مقـدمة "
" مقـدمة "
إن الكلام عن مزايا القرآن ليس له حدود، ومهما تكلَّم الناس عن كتاب الله تعالى يبقى هذا الكتاب شامخًا بعلومه وأسراره ومعجزاته.. " قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا " [الإسراء: 88].
أخي المسلم:
لقد أنزل الله كتابه العزيز هدًى للعالمين. ونبراسًا للمهتدين " الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ " [البقرة: 1، 2].
قال قتادة رحمه الله: «جعله الله هدًى وضيًاء لمن صدق به ونور للمتقين».
وهداية القرآن وضياؤه يكمنان في أنه تنزيل من الله العزيز الحكيم، الذي لا يخفى عليه شيء، وهو تشريعٌ من الحكيم الخبير.. " لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ " [فصلت: 42].
أخي المسلم:
ذاك هو سرُّ هداية القرآن، وسبب ضيائه ونوره !
ولذلك ما من أحدٍ طلب الضياء والهدى في غير هذا الكتاب إلاَّ ضل، وتخبَّط في سعيه، وكان من المحرومين.
" أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا " [الأنعام: 122].
فلتفهم أيها المتلمِّس لطريق الهداية أنَّ الهداية لا تكون إلاَّ بكتاب الله تعالى، وهو الذي هدى الله به عباده الصالحين: " وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " [الشورى: 52].
أخي المسلم:
وقد جعل الله تعالى كتابه شفاء للنفوس والصدور من أوصابها وأدوائها.
فما أحوج الخلق إلى هذا الشفاء.. وهل يرجو أحدٌ دواءً شافيًا أفضل من كتاب ربِّه تعالى؟!
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
«إنَّ القرآن شفاءٌ لما في الصدور، يذهب لما يلقيه الشيطان فيها من الوساوس والشهوات والإرادات الفاسدة؛ فهو دواءٌ لما أمره فيها الشيطان ومنها: أنَّ القرآن مادة الهدى والعلم والخير في القلب كما أنَّ الماء مادة النبات».
ويقف الإمام ابن القيم عند قوله تعالى: " وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ " [الإسراء: 82].
فيقول: «فهو الشفاء على الحقيقة من أدواء الشبه والشكوك، ولكن ذلك موقوف على فهمه، ومعرفة المراد منه، فمن رزقه الله تعالى ذلك أبصر الحق والباطل عِيانًا بقلبه كما يرى الليل والنهار».
فلتتذكر دائمًا أخي المسلم أنَّ كتاب الله تعالى هو الهدى والضياء المبين، وبدونه فأنت كسائر في ظلمة الليل البهيم!.. فكيف سيكون حالك؟!
فبالقرآن أبصر المبصرون واهتدى المهتدون وفاز العاملون، فأين أنت أخي المسلم من ذلك النور ا لإلهي والضياء الرباني؟! وترى المحرومين من ذلك النور الإلهي يتخبَّطون في ظلام الحيرة وأمراض القلوب، ولو أنهم اقتبسوا من ذلك البرهان الرباني لكانوا في زمرة المهتدين وجماعة الفائزين.
أخي المسلم:
كما تحب أن ترى الأشياء حولك إذا أظلم الليل فتضيء المصباح، فأنت إلى نور كتاب ربِّك تعالى أحوج، فهل تدبَّرت في حالك؟!
فكن من أولئك الذين استضاءوا بذلك النور المبارك " يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ " [النور: 35].
وإياك أن تكون من أولئك الذين حُرموا من ذلك الضياء؛ فتكون من الضالين.
فمن أبصر في دنياه بكتاب ربِّه تعالى كان غدًا من المبصرين.
" يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " [الحديد: 12].
مختارات