هل تصح هذه الأحاديث التي تدل على جواز استعمال المسبحة؟
في أحد المنتديات وضعت إحداهن موضوعا عن البدع، ولكن كان فيه أحاديث ضعيفة وصحيحة الإسناد، وهي عن المسبحة، وكانت كالآتي: لم يثبت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه استخدمها، ولم يستخدم الحجر، ولم يستخدم النّوى كما يُدّعى في الحديث الضّعيف أنّه أقرّ جويرية على ذلك، هذا غير صحيح، لم يقرّها على استخدام النّوى. التسبيح بالمسبحة جائز، وما ورد فيها من أحاديث العدّ بالنوى والحصى كاف في الدلالة على أصل مشروعيتها، لصلاحية تلك الأحاديث من حيث الصنعة الحديثية للاستدلال، منها حديث سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال: أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل، فقال: سبحان الله عدد ما خلق في السماء...، والحديث صححه ابن حبان والحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي، وخرجه أبو داود رقم 1500، والترمذي حديث رقم 3568، وقال: حديث حسن. السؤال هنا: كيف نفهم التناقض هنا؟ وهل الحديث حسن أم ضعيف؟ وكيف يكون حديث حسن ويقابله حديث ضعيف؟ وجزاكم الله خير.
الحمد لله
الأحاديث الوارد فيها إقرار النبي صلى الله عليه وسلم بعض أمهات المؤمنين على عد التسبيح على النوى حديثان:
الحديث الأول:
عن أم المؤمنين صفية رضي الله عنها قالت: (دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ يَدَيَّ أَرْبَعَةُ آلَافِ نَوَاةٍ أُسَبِّحُ بِهَا، فَقَالَ: لَقَدْ سَبَّحْتِ بِهَذِهِ، أَلَا أُعَلِّمُكِ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَبَّحْتِ بِهِ، فَقُلْتُ: بَلَى عَلِّمْنِي. فَقَالَ: قُولِي: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ) رواه الترمذي (3554) بسند ضعيف، فيه: هاشم بن سعيد الكوفي، قال عنه ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث.
" تهذيب التهذيب " (11/17).
ولذلك قال الترمذي بعد روايته له:
" هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث صفية إلا من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي، وليس إسناده بمعروف " انتهى.
وقد ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي وقال عنه: منكر.
ورواه الطبراني في " الدعاء " (ص/494) وفي سنده: يزيد بن متعب مولى صفية.
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله:
" يزيد لم يوجد له ترجمة " انتهى.
" السبحة " (ص/18).
ومع ذلك فقد صحح هذا الحديث علي القاري في " مرقاة المصابيح " فقال: " وهذا أصل صحيح لتجويز السبحة، بتقريره صلى الله عليه وسلم فإنه في معناها، إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما يعد به، ولا يعتد بقول من عدها بدعة " انتهى. نقله عنه في " تحفة الأحوذي ".
وقد حسنه الحافظ ابن حجر أيضاً، وذكر طريقاً أخرى عند الطبراني في " الدعاء "، والظاهر من صنيعه أنه حسنه بمجموع طرقه.
نقله عنه ابن علان في " الفتوحات الربانية على الأذكار النووية " (1/245).
الحديث الثاني:
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى - أَوْ قَالَ حَصًى - تُسَبِّحُ بِهِ، فَقَالَ: أَلَا أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ؟ سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ).
قوله: (دَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى) لم يبين في شيء من طرق الحديث من هي؟ فيحتمل أنها صفية رضي الله عنها كما في الحديث الأول، ويحتمل أنها جويرية رضي الله عنها، وحديثها في صحيح مسلم، ولكن ليس فيه ذكر للنوى أو الحصى.
انظر: " الفتوحات الربانية " (1/244).
وهذا الحديث رواه الترمذي (3568) وأبو داود (1500) من طريق سعيد بن أبي هلال، عن خزيمة، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، عن أبيها. وروي أيضا بإسقاط خزيمة.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" خزيمة هذا مجهول، قال الذهبي نفسه في " الميزان ": خزيمة، لا يعرف، تفرد عنه سعيد بن أبي هلال، وكذا قال الحافظ في " التقريب ": إنه لا يعرف، وسعيد بن أبي هلال مع ثقته حكى الساجي عن أحمد أنه اختلط، وكذلك وصفه بالاختلاط يحيى كما في " الفصل " لابن حزم (2 / 95)، ولعله مما يؤيد ذلك روايته لهذا الحديث، فإن بعض الرواة الثقات عنه لم يذكروا في إسناده خزيمة فصار الإسناد منقطعا، ولذلك لم يذكر الحافظ المزي عائشة بنت سعد في شيوخ ابن أبي هلال، فلا يخلو هذا الإسناد من علة الجهالة أو الانقطاع، فأنَّى للحديث الصحة أو الحسن؟! " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (83).
ومع هذا، فقد صححه الحافظ ابن حجر، فقال: " حديث صحيح، ورجاله رجال الصحيح، إلا خزيمة فلا يعرف نسبه ولا حاله، ولا روى عنه إلا سعيد بن أبي هلال، وذكره ابن حبان في الثقات كعادته فيمن لم يجرح ولم يأت بمنكر، وصححه الحاكم " انتهى.
" الفتوحات الربانية " (1/244).
وقال عنه المنذري في " الترغيب والترهيب " (2/360):
" إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما " انتهى.
وقد ضعف هذين الحديثين الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله، فقال:
" وحديثا صفية وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، في ثبوت كل منهما نظر " انتهى.
" السبحة تاريخها وحكمها " ص 16.
ثانيا:
قد يختلف العلماء في حكم حديث معين، هل هو صحيح أم حسن أم ضعيف؟ كما قد يختلفون في فهم الحديث والاستنباط منه، فتتنوع المذاهب الفقهية بحسب تنوع الاجتهادات.
قال المعلمي رحمه الله:
" يختلفون في صحة بعض الأحاديث، وذلك قليل بالنسبة إلى ما اتفقوا عليه " انتهى.
" الأنوار الكاشفة " (ص/52).
وعلى المسلم في هذه الحالة ـ إن كان أهلاً للبحث والتحقيق ـ أن يفعل ذلك، حتى يصل إلى الحكم على الحديث بنفسه.
فإن كان لا يستطيع ذلك، فإنه يسأل من يثق بعلمه ودينه عن حكم الحديث، ثم يفعل ما يفتيه به.
وإذا ظهر أن المسألة من المسائل الاجتهادية، فإنه لا ينبغي أن يكون ذلك سبباً للاضطراب أو التنازع، فإن الله تعالى قضى أن يخلق الناس متفاوتين في العلوم والأفهام، وما دام الاختلاف لا يتعلق بثوابت الدين ومحكماته فالأمر يسير إن شاء الله تعالى.
ولمعرفة موقف المسلم من اختلاف العلماء في تصحيح بعض الأحاديث أو تضعيفها. راجع جواب السؤال رقم (70455).
ثالثا:
أما حكم استعمال السبحة ؛ فقد سبق بيان اختلاف العلماء في حكمها في جواب السؤال رقم (3009).
والله أعلم.
مختارات