" البشاشة "
#### " البشـاشـة "
مدح البَشَاشَة وطلاقة الوجه في السنة النبوية:
وردت أحاديث من السُّنَّة النَّبويَّة، تحثُّ على البَشَاشَة وطلاقة الوجه، ومن هذه الأحاديث:
- عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال لي النَّبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق) [رواه مسلم].
(قوله صلى الله عليه وسلم: (ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق) روي (طَلْق) على ثلاثة أوجه: إسكان اللام وكسرها، وطليق، بزيادة ياء، ومعناه: سهل منبسط. فيه الحثُّ على فضل المعروف، وما تيسَّر منه وإن قلَّ، حتى طلاقة الوجه عند اللِّقاء) [شرح النووى على مسلم].
- عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلُّ معروف صدقة، وإنَّ من المعروف أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلْق) [صححه الألبانى فى صحيح سنن الترمذى].
قال المباركفوري: (...(وإنَّ من المعروف) أي: من جملة أفراده، (أن تلقى أخاك) أي: المسلم (بوجهٍ) بالتنوين، (طَلْق) معناه: يعني تلقاه منبسط الوجه متهلِّله) [مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح].
وقال في (دليل الفالحين): (أي بوجه ضاحك مستبشر، وذلك لما فيه من إيناس الأخ المؤمن، ودفع الإيحاش عنه، وجبر خاطره، وبذلك يحصل التَّأليف المطلوب بين المؤمنين).
وقال أيضًا: (أي: متهلِّلٌ بالبِشْر والابتسام؛ لأنَّ الظَّاهر عنوان الباطن، فلُقْيَاه بذلك يشعر لمحبَّتك له، وفرحك بلُقْيَاه، والمطلوب من المؤمنين التوادُّ والتحابُّ) [دليل الفالحين لطرق رياض الصاحين].
- عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرَّجل في أرض الضَّلال لك صدقة، وبصرك للرَّجل الرَّديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشَّوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة) [صححه الأبانى فى صحيح سنن الترمذى].
(تبسُّمك في وجه أخيك) أي: على وجه الانبساط. صدقة، أي: إحسان إليه، أو لك، فيه ثواب صدقة، وأمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، والصَّدقات مختلفة المراتب [انظر:مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح].
#### أقوال السَّلف والعلماء في البَشَاشَة وطلاقة الوجه:
- عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: (مكتوب في الحكمة: ليكن وجهك بسطًا، وكلمتك طيبة، تكن أحبَّ إلى النَّاس من الذي يعطيهم العطاء) [رواه البيهقى فى شعب الإيمان].
- قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: (إنَّ المسلمَيْنِ إذا التقيا، فضحك كلُّ واحد منهما في وجه صاحبه، ثم أخذ بيده، تَحَاتَّتْ ذنوبهما كتحات ورق الشجر) [ذكره ابن حمدون فى " التذكرة الحمدونية].
- قال عبد الله بن المبارك: (حسن الخلق: طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكفُّ الأذى) [رواه الترمذى].
- قال ابن القيِّم: (طلاقة الوجه والبِشْر المحمود وسط بين التَّعبيس والتَّقطيب، وتصعير (4) الخدِّ، وطيِّ البِشْر عن البَشَر، وبين الاسترسال مع كلِّ أحد بحيث يذهب الهيبة، ويزيل الوقار، ويطمع في الجانب، كما أنَّ الانحراف الأوَّل يوقع الوحشة، والبغضة، والنُّفرة في قلوب الخَلْق، وصاحب الخُلُق الوسط: مهيب محبوب، عزيز جانبه، حبيب لقاؤه،وفي صفة نبيِّنا: من رآه بديهة هابه، ومن خالطه عشرة أحبَّه) [مدارج السالكين].
- قال بعض الحكماء: (الْقَ صاحب الحاجة بالبِشْر، فإنْ عدمت شكره، لم تعدم عذره) [أدب الدنيا والدين].
من فوائد البَشَاشَة وطلاقة الوجه:
1- طلاقة الوجه تبشر بالخير، ويقبل على صاحبها النَّاس، والوجه العبوس سبب لنفرة النَّاس.
2- من فوائدها محبَّة الله عزَّ وجلَّ ؛ لقوله عليه السَّلام: (إنَّ الله يحبُّ الطَّلْق الوجه، ولا يحبُّ العبوس) [رواه أبو عبد الرحمن السلمى فى آداب الصحبة].
3- طلاقة الوجه للضيف من إكرامه مع طيب الحديث عند الدُّخول والخروج وعلى المائدة [إحياء علوم الدين].
وقد قيل: (من آداب المضيف: أن يخدم أضيافه، ويظهر لهم الغنى، والبسط بوجهه، فقد قيل: البَشَاشَة خير من القِرَى) [غذاء الألباب شرح منظومة الآداب].
#### من موانع اكتساب البَشَاشَة:
1- خبث النَّفس، وتغلغل الصِّفات القبيحة فيها من الحسد والغلِّ والحقد والكبر، والتي ترسم الجهامة على وجه صاحبها، وتجعل البَشَاشَة تفارق مُحَيَّاه.
2- عدم اتباع هدي النَّبي صلى الله عليه وسلم، والذي حثَّ على هذه الصِّفة بخلقه وقوله صلَّى الله عليه وسلم.
3 - بغض النَّاس، وكراهية الخير لهم.
من الوسائل المعينة على اكتساب البَشَاشَة:
1- استشعار الأجر الذي رتَّبه الشرع على البَشَاشَة وحسن ملاقاة المسلمين.
2- اتِّباع هدي النَّبي صلى الله عليه وسلم والذي كانت البَشَاشَة خلقه وعلمها لأمته بقوله عليه الصَّلاة والسلام.
3- حُبُّ النَّاس يجعلك تَبَشُّ في وجوههم.
#### نماذج من البشاشة في حياة الرَّسول صلى الله عليه وسلم:
- بَشَاشَته صلى الله عليه وسلم عند مقابلة ذوي الخلق السيِّئ، مداراة لهم واتقاء لفحشهم وتأليفًا لهم، كما ورد عن عروة بن الزُّبير أنَّ عائشة -رضي الله عنها- أخبرته قالت: (استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ائذنوا له، بئس أخو العشيرة ! أو ابن العشيرة، فلما دخل، ألان له الكلام، قلت: يا رسول الله ! قلت الذي قلت، ثم ألنت له الكلام ! قال: أي عائشة ! إنَّ شرَّ النَّاس من تركه النَّاس، أو ودعه النَّاس اتقاء فحشه) [رواه البخارى واللفظ له ومسلم].
- بَشَاشَته صلى الله عليه وسلم عند مقابلته للناس، فعن جرير رضي الله عنه قال: (ما حجبني النَّبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسَّم في وجهي) [رواه البخارى ومسلم].
#### نماذج من حياة السَّلف والعلماء:
- إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الأصل، الدمشقي الصالحي الحنبلي:
قال عنه الذهبي: (وذكر عن جماعة ثناءهم عليه، ووصفهم إياه بالسَّخاء والكرم والمروءة، والإحسان الكثير إلى الفقراء، وإيثارهم، وقضاء حوائجهم، والتواضع لهم، وطلاقة الوجه والبَشَاشَة والورع والخوف والعبادة، والأخلاق الجميلة ونحو ذلك) [انظر تاريخ الإسلام للإمام الذهبى].
- شهاب الدين يحيى بن إسماعيل بن محمد القيسراني:
كان يتودَّد للصَّالحين، ويكثر الصَّوم والعبادة، ويصبر على الأذى، ولا يعامل صديقه وعدوَّه إلا بالخير وطلاقة الوجه (2)[انظر شذرات الذهب،لابن العماد الحنبلى].
- إسحاق بن يحيى بن إسحاق بن إبراهيم:
كان طيب الأخلاق ينطبع، ويتطلب البَشَاشَة ويتبع، سهل القياد، واري الزِّنادِ، متَّسمًا بالعدالة، محتشمًا عن الإزالة [أعيان العصر وأعوان النصر].
أقوال وأمثال عن البَشَاشَة وطلاقة الوجه:
- قال أبو حاتم: (البَشَاشَة إدام العلماء، وسجيَّة الحكماء؛ لأنَّ البِشْر يطفئ نار المعاندة، ويحرق هيجان المباغضة، وفيه تحصين من الباغي، ومنجاة من الساعي، ومن بَشَّ للنَّاس وجهًا،لم يكن عندهم بدون الباذل لهم ما يملك).
- وقال أيضًا: (لا يجب للسُّلطان أن يفرط البَشَاشَة والهَشَاشَة للنَّاس، ولا أن يقلَّ منهما؛ فإنَّ الإكثار منهما يؤدِّي إلى الخفَّة والسَّخف، والإقلال منهما يؤدِّي إلى العجب والكبر) [انظر:روضة العقلاءونزهة الفضلاء].
- قال الحارث المحاسبي: (ثلاثة أشياء عزيزة أو معدومة: حسن الوجه مع الصِّيانة، وحسن الخلق مع الدِّيانة، وحسن الإخاء مع الأمانة) [غذاء الألباب شرح منظومة اللآداب].
- قال الأحنف: (رأس المروءة: طلاقة الوجه، والتودُّد إلى النَّاس) [التذكرة الحمدونية،لابن حمدون].
- البِشْر دال على السَّخاء كما يدلُّ النَّور على الثَّمر [التذكرة الحمدونية،لابن حمدون].
- من حسن الخلق أن يحدِّث الرجل صاحبه وهو مبتسم [التذكرة الحمدونية،لابن حمدون].
مختارات