(سالم..)
لم يكن نبأ وفاته صاخبا
سطر صغير في إحدى مجموعات الواتس
مات سالم
كيف ومتى وبماذا ؟
بلا كيف ولا متى ولا ماذا
رأيته قبل أيام شابا صحيحا
وجهه الأسمر يشع ببياض بسماته البيضاء
لم يكن غنيا ولا وجيها ولا داعية لا عالما
كانت خطواته خفيفة في الأرض.
مات سالم
لم أجد خبرا عنه في تويتر ولا الفيس
المدينة هادئة، وحيهم كذلك
ليس هناك رسائل يتم تبادل النبأ فيها
إنه خبر صغير
لن يكتظ بيتهم بالمعزين، ولن أرى نعيا له الصحيفة
لن يكتب الشعراء قصيدة فيه
لكن ماذا حدث في قلبي حين قالوا
مات سالم؟
لم تجمعنا دراسة ولا سفر ولا صداقة.
كان أخوه الأكبر معي في الفصل
وكنت أرى سالما أحيانا وألتقي به في مدينتنا.
أحس بفرحة لا أعرف سرها كلما رأيته
كنت أمني نفسي أن أجلس معه يوما جلسة طويلة.
في آخر مرة شاهدته لم يحضر النقل لمدرسة البنات؛
فذهبت أحضر ابنتي؛
رأيته من بعيد؛
شعرت بحاجة غريبة في داخلي لأن أصافحه وأسلم عليه.
لم يكن المكان مناسبا؛
لكني نزلت بين السيارات
تأخر قليلا ليأذن لبنتي بالركوب
تقدمت إليه صافحته والتزمته
شعرت بود عميق في داخلي يعانقه
لم يدر بخلدي أنها المرة الأخيرة التي سأشاهده فيها.
اليوم: سمعت أن سالما مات
اجتاحني شعور بالحاجة لأن أكتب عنه
لو كنت شاعرا لرثيته
لكن ماذا سأقول
لست أعرف الكثير
لكنني أعرف أني فقدته
هل تلمس الهواء بيدك، لكنك تشعر بالاختناق لو رحل
هل تمسك بخطوط الضوء، لا لكن يغمرك الظلام لو أفل
رحل سالم
ليس له كتاب، ولا محاضرة ولا قصر ولا شهرة ولا لقب
لا يعرف معنى سعادة ولا فضيلة ولا طويل العمر ولا أستاذ ولا شيخ ولا شيء
لم يكن نسيبا في قبيلة
لكنه كان فخما
فخما
أشعر فيه بشيء لا أستطيع وصفه، لا يمكن التعبير عنه
فخامة البساطة، وبهاء النسخة الأصلية للإنسان
للإنسان قبل أن تشوهه معايير الطبقات والمنازل والوظائف والدرجات والأموال والأرصدة
نعم حين تلتقي بالإنسان لأول وهلة قبل أن يشوهه التاريخ
رحل بهدوء مثل حياته، مرض الجمعة ورحل اليوم
أبهة لا تعرف سرها
ما سر هذه الحضور له في قلبي اليوم
هل هي مراسيم الآخرة
لقد فقدت بلدتنا شيئا عظيما
عظمة لا تقاس بمسطرة الشهرة أو المال أو العلم
حين يرحل عظيم دون يؤلم أحدا حتى بموته
ولا يثير سطرا خلفه
ولا صوتا يندبه
حتى لو لم تفقدوه
ولم توقفوا شيئا من أجله
ولم تكتظوا في جنازته
لكني أفقد سالما
رحمك الله يا سالم
أحبك
--
مختارات