انفهقت…
صليت الظهر في جدة في مسجد قريب من البحر
وبالقرب من المسجد سور قديم مغلق له باب ذو مصراعين كبيرين
وعادة؛ الباب يكون مغلقا
فلا يرى منه إلا الحيطان الخارجية القديمة التي فقدت بهاءها وأدركها البلى
ولا يرى منها إلا ظاهر الباب العتيق وصندوق النفايات الكبير بالقرب منه وبقية أجزاء الصورة المعتادة
وذات يوم
وبينا أمضى إلى المسجد نظرت فإذا بذلك الباب الضخم قد فتح على مصراعيه
كان الوقت ظهرا والشمس ساطعة والبحر قريب جدا من الباب
فجأة
برز الماء وزرقته وجماله ولمعان الشمس فيه كأنما اندفق البحر من خلال الباب...
كانما تفجر جمال البحر وتدفق جملة واحدة
من ثقب المشهد البالي المعتاد
شع جمال البحر
كأنما يشرق لأول مرة في المكان.
البحر جميل نعم
لكن تسلطن في تلك اللحظة على إطار الصورة
حيث لا شيء يثير الاهتمام حوله ولا شيء يشبهه أو يقترب من جماله.
كأنما هو شيء مختلف تقحم الصورة بلا ميعاد
عندها تذكرت مفردة نبوية
على قائلها أفضل الصلاة والسلام في
في الصحيحين وهو يقص خبر آخر أهل النار دخولا الجنة
قال صلى الله عليه وسلم:
فَإِذَا قَامَ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الْحَبْرَةِ وَالسُّرُورِ،.....
(انفهقت)
وتجاوزا للبحث اللغوي في إمكان الترادف وعدمه فلا أشك أن هناك مفردات عصية على الترادف ولا تحل أي لفظة مكانها
وقد قال الشراح إن المعنى هنا
انفتحت واتسعت...
وهذا يقرب المعنى المراد لكن ليس هو
فانفهقت شيء أخص من الانفتاح والاتساع
شيء لا يمكن التعبير عنه إلا بالانفهاق نفسه
أو بشرح طويل
أو شهود المشهد بذاته.
وَقَالَ اللَّيْث: الفَهَقُ: اتساع كل شَيْء يَنْبع مِنْهُ ماءٌ أَو دمٌ.
إنه انفتاح واتساع وتفجر لشيء وتدفق منه.
انفهقت الجنة
أي تدفق مشهدها إلى عينيه وهجم على بصره ودهشه وهو القادم للتو من مشهد الجحيم
وهو واقف خارج الأسوار
انبعث له المشهد فجأة من خلال الباب.
انفهقت له
لا يعني أن الجنة هي التي اتسعت أو انفتحت
لكن انفهقت في عينه وقلبه
تفجر جمالها في بصره من خلال الباب
غشيه الجمال الثائر من الباب
اللهم وقد فتحت أبواب الجنة في رمضان
فارزقنا ووالدينا وأهلينا وذرياتنا وأحبتنا والقارئين الجنة
بلا سابق حساب ولا عذاب
مختارات